الداهسون على القيم

01:18 صباحا
قراءة دقيقتين

أن تكسب ود الجمهور وتعاطفه مع أبطالك، وتثير ضجة فتصير «ترند» وحديث الناس على وسائل التواصل، لا يتطلبان منك اختراق حدود الذوق العام ولا أن تدوس على القيم الإنسانية فتخدش النظر وتؤذي المشاعر، كي تصنع مشهداً «يشد الناس». المسلسلات الناجحة تجذبك إليها بسلاسة وبالتميز في الكتابة والإخراج وثالثاً التمثيل.
في الوقت الذي نستمتع فيه بالمباراة والمنافسة الشرسة بين مجموعة من المسلسلات المميزة من جهة، وعدد من الممثلين المتفوقين من جهة ثانية، يقدم البعض مشاهد غير مقبولة بل مرفوضة على الشاشة، ولا يمكن قبولها بأي شكل لشدة سلبيتها.
مرفوض مرفوض مشهد غُسل الطفلة حبيبة في الحلقة11 من مسلسل «ملوك الجدعنة». أي شطارة و«جدعنة» هذه، وأي فن وإبداع في تصوير مشهد غسل طفلة ميتة، وبالتفصيل والإطالة، ثم جنازتها ودفنها حتى دخول القبر معها؟ ماذا أراد المخرج أحمد خالد موسى أن يقول للمشاهدين سوى محاولة استدرار تعاطفهم وإجبارهم على التأثر كي يصير ومسلسله «نمبر وان» في سباق «الترند» المحموم؟
صاحب شعار الـ «نمبر وان» محمد رمضان راهن هو والمخرج محمد سلامة والمؤلف ناصر عبد الرحمن على نفس أسلوب اللعب على مشاعر الجمهور كي يبقى ومسلسله الحالي «موسى» على كل لسان، من مشهد إطلاق النار على الحصان، والذي أزعج المشاهدين بشدة، إلى مشهد انتقام موسى لوالدته من غالي، مسؤول العمال في القصر، فيدفنه في برميل من الإسمنت وهو حي ويتركه يناجيه ويتعذب بلا رحمة.
أين العبقرية في مثل هذه المشاهد اللا إنسانية؟ أين الجمال والابتكار الذي يمكن أن يجذبنا فنندهش وننبهر؟ فليس كل ما يتصدر «الترند» يكون إيجابياً، ولا هو دليل نجاح وتميز.
في المقابل، يأتي مشهد وضع منى زكي (هناء) في «لعبة نيوتن» لمولودها في المستشفى قمة في الجمال والصدق والإنسانية، وقمة في الكتابة الدرامية والإخراج والتمثيل. تامر محسن المؤلف والمخرج أدخلنا إلى غرفة الولادة لنكون شهوداً على أجمل وأصعب لحظة تعيشها البطلة، دون أن يخدش النظر أو المشاعر. تعاطفنا وتأثرنا وصفقنا، لأنه احترم آدميتنا وعقلنا، كما احترم الفن وحمله رسائل مهمة جداً لتصل إلى العمق بلا استفزاز أو أخطاء.
الجمهور في زمن وسائل التواصل لا يكتفي بدور الناقد للشاشة وما يعرض عليها، بل يتعمد التوقف عند كل مشهد ولقطة وجملة، يثني ويصفق، ينتقد ويعترض، ولا يمكن استعطافه بالمبالغة في مشاهد الموت دون معايير ولا حرمات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"