امرأتان من قماشة واحدة

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين

على الرغم من أن الكاتبة الإيرلندية إدنا أوبراين (1930) تكبر الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي (1942) باثني عشر عاماً إلا أن ثمة تشابهات ملحوظة بين الروائيتين الأكثر حضوراً في العالم على قيد الحياة، اللتين تبيعان على نطاق واسع يقع في إطار الكتب الأعلى مبيعاً. وحتى من ناحية الصورة والشكل، تتشابه المرأتان اللتان تعيشان الآن في ذروة مجديهما الأدبي العالمي.
إدنا أوبراين كاتبة سيناريو وشاعرة إلى جانب كونها روائية عرفت بالكثير من أعمالها الجريئة بخاصة روايتها «بنات الريف»، وقبل شهرين منحتها فرنسا وسام «رتبة قائد في فرسان الآداب والفنون»، وكانت تحتفل في الوقت نفسه بعيد ميلادها التسعين، ووصفت في الحفل الذي تولّت فيه روزلين باشلوت، وزيرة الثقافة الفرنسية، تقديم الوسام لأوبراين، بأنها واحدة من أعظم الكتّاب في القرن العشرين.
أوبراين، كما لاحظت الصحافة الفرنسية، ما زالت تنبض بالحياة رغم ولوجها إلى عقدها العاشر، وكتب الشاعر اللبناني هنري زغيب أنها «صبية تسعينية»، «تدير كتفها للعمر، وجهها للمستقبل، قلمها للحياة، ولا تتوقف عن الكتابة، كأنما الكتابة سرّتها مع الخلود، وسرّها مع العافية الأدبية»، وهي تقول نفسها إن الكتابة حياتها: «إنني أتنفّس كتابة».
إيزابيل الليندي هي الأخرى «تتنفّس كتابة» وهي في عقدها السبعيني، وقبل شهرين أيضاً في حين كانت أوبراين تتسلم الوسام الأرفع في التكريمات الفرنسية الأدبية، كانت الليندي تصدر أحدث كتبها بعنوان «روح امرأة»، كتبت عنه ندى حطيط: «كتاب مكثف وقصير بغير حشو. مانفيستو ضد البطريركية في كل ثقافات الإنسانية قديمها وحديثها وعبر كل جهات الأرض. إنه نشيد أنثوي حارّ وصادق تستحق هديته كل امرأة».
هذا التكثيف وهذه الحرارة اللذان أشارت إليهما ندى حطيط هما في حياة إيزابيل الليندي، وهي في الثامنة والسبعين من العمر، أنيقة، مشرقة دائماً بابتسامة امرأة مملوءة بالثقة والحياة، والصورة المقابلة ذاتها كانت لصاحبة الحضور الأنثوي المكثف أيضاً إدنا أوبراين.
الدرس هنا يتمثل بتكثيف آخر في الحياة، وفي الكتابة عند تلك النقطة الفارقة التي يتحوّل فيها الكاتب إلى شيء يشبه الهواء أو الضوء.
عند أوبراين واللّيندي الواقفتين تحت الشمس وفي الهواء الطلق، وغيرهما من نساء من هذه الطبيعة ومن هذه القماشة، لا حساب للعمر أو للزمن. لا معنى بالمرّة أن يكون الرجل أو تكون المرأة في السبعين أو في التسعين أو حتى في المئة طالما هناك حجاب حاجز عن أي ضعف وأية هشاشة، ذلك الحجاب هو: «الكتابة»، والتنفّس بها، لا بل الاقتران الروحي والجسدي والوجودي بها ككائن حيّ.
الكتابة، هي من أعطت هاتين المرأتين المتشابهتين سرّ الصبا، وحرارة النشيد الأنثوي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"