بعد «الواحات» فليصمت الكاذبون

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين

فلتصمت كل الأفواه الكاذبة المكذّبة، فلينكّسوا رؤوسهم خجلاً وعاراً، أمام كل الرؤوس التي ازدادت شموخاً وعزة أمس وأول من أمس بعد مشاهدة الحلقة الأمَرّ من «الاختيار٢».
كل القلوب بكت ثم تمزقت ونزفت، منذ الحلقة الأولى وسقوط أول شهيد في مسلسل «الاختيار٢» وحتى حلقة مجزرة الواحات. هو ليس مجرد مسلسل ولا ما نراه على الشاشة تمثيلاً، هو شريط حقائق يعيد إحياء ما حصل خلال فترة معينة من تاريخ مصر، سنوات لن ننساها، ومهم جداً أن نفهم ما حصل في كواليسها وكيف تمت العمليات، وكيف واجه رجال الشرطة والأمن الوطني مخططات الإرهابيين وعملياتهم الإجرامية.
كل حلقة من المسلسل تضيف معلومة وتبرز شهيداً أو شهداء لنقف أمامهم إجلالاً وتعظيماً، لكن المحطات الأصعب في هذا الشريط هي ثلاث: معركة رابعة، ومجزرة مركز شرطة كرداسة، ثم «الواحات» التي بكينا فيها بحرقة توازي حرقة أهالي وعائلات ال ١٦ شهيداً الذين غدر بهم الإرهابيون في منطقة الواحات.
ما من كلام يستطيع أن يفي هذه الحلقات حقها. ما من كلام يستطيع أن يصف ما شعرنا به وكيف اخترقت الرصاصات الشاشة لتصيبنا نحن كما أصابت كل شهيد وكل مصاب، وكيف كنا نصرخ ويكبر الوجع ويكبر الفخر بهؤلاء الوطنيين الشرفاء.
بعد عرض حلقة «رابعة» تفاعل الجمهور، لكن خرجت بعض الأصوات لتشكك وتدعي بأن المشاهد مفبركة والحقائق مغلوطة وأن «الإخوان» هم ضحايا وعزفوا على نفس النغمة التي أرادوا بها تضليل الناس. حلقة رابعة عرّت المؤامرة، وكيف انتشر قناصة «الإخوان» فوق الأسطح، وكيف قتلوا الناس من قلب الاعتصام غدراً؛ كي يدّعوا بأن الشرطة قتلتهم. واصلوا خبثهم واستمروا في تكذيب المسلسل وبأنه مجرد سيناريو وتمثيل، فإذا بالصفعة الكبرى تأتيهم بعرض مشاهد حقيقية من قلب كل حدث وكل تفجير وكل اغتيال وكل مجزرة. لم يتركوا مسجداً أو كنيسة أو مركزاً أمنياً إلا واعتبروه «حلالاً» لاغتيال الأبرياء الذين يسمونهم «كفاراً وطواغيت».
رائع أنت يا بيتر ميمي، الكاميرا بيدك كالريشة في يد رسام محترف يجعل اللوحة تبوح بمكنونات الإنسان، والكاميرا بيدك كمبضع الجراح أيضاً، تشرّح وتقتلع الأورام الخبيثة لنراها بأم العين ويصدق العالم كله بأن هذا السرطان كاد يتفشى في البدن لولا وجود هؤلاء الأبطال الشرفاء الذين لم يخافوا ولم يتراجعوا ولم يتخاذلوا، بل رأوا الخطر فأقبلوا عليه بشجاعة وبسالة.
الحلقة ٢٥ من «الاختيار٢» أسكتت الأبواق المضللة، أشعلت صفحات التواصل الاجتماعي، أحيت ذكرى شهداء الواحات الراحلين والمصابين الذين ما زالوا أحياء. أبكتنا فكنا كلنا أهالي هؤلاء الأبطال، لدرجة أننا تمنينا لو نستطيع الوصول إليهم لنشد على أياديهم، ونخبرهم بمدى اعتزازنا بما صنعه أبناؤهم وأزواجهم وآباؤهم.
تحية لكل من شارك في هذا المسلسل، وتحية للممثلين الذين عاشوا جزءاً من هذه الحقيقة، وتركت أثراً أبعد من أثر أي دور وأي تمثيل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"