«الاستمارة التربوية» وأبعاد التواصل

01:55 صباحا
قراءة دقيقتين

في زمن آبائنا وأجدادنا، ويوم كنا صغاراً، لم يعرف العالم الانفتاح الذي يعيشه أبناء اليوم، لم يكن العالم واحداً في الاتصال والتواصل، ولم يكن صوت المنادي في الغرب يصل صداه في ثوانٍ إلى الشرق والشمال والجنوب، ليلف الكرة الأرضية بلمح البصر، ورغم ذلك، كانت النفوس أكثر تسامحاً وانفتاحاً على تقبل الآخر كما هو، ولم يكن صوت العنصرية يعلو والتطرف والترهيب يتسلل بسهولة إلى أي بيت وفي كل وقت.
الانفتاح الذي يعيشه الأبناء عبر التواصل الاجتماعي لا يكفي لتحصينهم من العنصرية وتعليمهم المعنى الحقيقي للانفتاح، والذي نقصد به تفتح العقول فكرياً وثقافياً وفهم أبعاد معنى «التواصل مع الآخر»، فمن لا يملك مفتاح التسامح، لا يمكنه الدخول إلى عالم التبادل الفكري والتواصل السليم مع الآخرين المختلفين عنه ثقافياً أو دينياً أو اجتماعياً أو عقائدياً.. وإذا عجز عن تحقيق التسامح، فمن المستحيل أن يتعايش بسلام مع المحيطين به.
مهم أن نعلم الأبناء المعنى الحقيقي للتعايش والتسامح فيتشكل مع تشكّل وعيهم وتكوين شخصيتهم؛ لذا فإن قرار وزارة التربية والتعليم في إدخال مشروع تعزيز التعايش والتسامح والوقاية من التطرف في المناهج الدراسية هو قرار صائب ونحتاج إليه بشدة، كي ننشئ أجيالاً سليمة فكرياً وتربوياً وإنسانياً.
ما تقوم به الوزارة من رصد لآراء الطلبة وأولياء الأمور حول هذا المشروع وإمكانية إدخاله في النظام التربوي الإماراتي، عبر ملء استبيان إلكتروني يضم عدداً من الاستفسارات لمعرفة آرائهم وأخذها بعين الاعتبار، هي خطوة إيجابية لجهتي مشاركة الطالب وولي الأمر في تحمل مسؤولية تطوير التعليم تربوياً، ولجهة الاهتمام أكثر بالجانب التربوي التوعوي الفكري والأخلاقي للطلاب، وبما يتماشى مع طبيعة الإمارات ونهج الدولة وسياستها في الانفتاح والحرص على التعايش الآمن والتسامح على أرضها باعتبارها نقطة التقاء لأكثر من ٢٠٠ جنسية يعيشون في ربوعها بسلام.
الوزارة حريصة على «إشراك الميدان التربوي في إعداد المناهج التعليمية وتبادل الخبرات»، وهذا بحد ذاته ما يعتبر انفتاحاً وتشاركاً بالمسؤولية نقدره ولا بد أن يثمر تطوراً تربوياً إيجابياً، ونشدد على المعنى التربوي لأنه لا يكفي أبداً الاهتمام بالجانب التعليمي وإهمال أو إسقاط التربية من حساباتنا معتمدين على دور البيت والأسرة و«الحياة» في تعليم الأبناء.
المدرسة ومنذ الأزل لها بصمة مهمة في تنمية فكر الطالب وتثقيفه وتهذيب أخلاقه وتعديل سلوكياته، لأنها المكان الذي يفرض احترام القوانين وضبط الانفعالات لدى الأطفال والمراهقين ربما أكثر من المنزل، وهي أول مكان يتفتح فيه ذهن الطفل على معنى الاختلاط بالآخرين وتقبلهم وتبادل الألعاب معهم ومعنى العمل الجماعي، والذي لا يمكن أن ينجح إن لم يتكلل بتقبل الآخر والتسامح والتعايش.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"