خبايا وداد خليفة

01:01 صباحا
قراءة دقيقتين

هناك روايات تشدك من أول سطرٍ فيها، لا بل من عنوانها، تجدها ثريّة اللغة متماسكة البنيان، لها فكرة وهدف ومعمار، كتبت بمزاج عالٍ له رؤيته البعيدة الغور، وتوظيفه السليم للأحداث وتسلسل المجريات، مما يدفعك للاندماج والشغف والاستمرار في القراءة والتمتع بالأسلوب وجمال الجملة المشغولة بعناية فائقة بلغة سلسة معجونة بعطر معجم اللغة العربية الأخاذ، كل ذلك أحسست به وأنا أقرأ رواية «خبايا اللال» للكاتبة الإماراتية وداد خليفة، والتي وثقت فيها جزءاً من تاريخ الأطماع والنزاعات التي مرت بها منطقتنا خلال فترة الاستعمار البريطاني للمنطقة، خصوصاً ما سبق عملية ترسيم الحدود.
الكاتبة كما هو واضح من عملها الروائي الذي وظفت فيه أحداثاً تاريخية مهمة، قامت بجهد كبير ودقيق في التعامل والاطلاع على الكثير من وثائق تلك الحقبة وأسرارها، سواء المحلية منها أو البريطانية، ثم تشكيلها في عمل روائي بديع، مزج بشكل سلس بين اللهجة العامية واللغة العربية، في توليفة أضافت للرواية خصوصية الحدث والمكان، وحبكة قصصية شائقة المعنى والمغزى بيّنت الكثير من خصوصيات الشخصية العربية الإماراتية البدوية وقيمها، وما تتميز به من روح الانتماء لأرضها وإن كانت صحراء قاحلة. 
الروائية وداد خليفة تستمر في هذه الرواية فيما بدأت به باكورة أعمالها الروائية «زمن السيداف»، وهو توظيف المهمل من تاريخ البلاد في شكل روائي متقن، ثم تطرح من خلاله الكثير من المعطيات والتناقضات التاريخية والمعتقدات والقصائد الشعرية والحكم والأمثال والعادات والتقاليد والسلوكيات الحياتية اليومية، بطريقة لا تخل بالمعنى أو التسلسل الروائي، مما يضفي على العمل قيمة جمالية وخصوصية وطنية، ويؤكد مدى نجاح الكاتبة فيما سارت عليه من نهج في كتابة الرواية التاريخية الملحمية، وبلغة سردية باذخة كتبت مفرداتها بحرص وتأنٍّ شديدين، يقدم في النهاية عملاً روائياً متقناً ومتميزاً.
الكاتبة في عملها الروائي «خبايا اللال» تؤكد بصمتها ولغتها الروائية، وتؤكد وجودها ككاتبة مميزة في صف الصدارة مع العديد من الكتاب الروائيين الإماراتيين المتميزين، الذين سبقوها في الميدان، وهذا يثلج الصدر؛ فكلما زاد عدد الكتاب والمبدعين وفي جميع مجالات الإبداع الإنساني تأكّد لنا أن مجتمعنا بخير ويتمتع بالحيوية، ويسير في الطريق السليم كمجتمع مثقف ومبدع ومبتكر.
ننتظر من الكاتبة وداد خليفة الكثير من الإبداع المتميز في المستقبل، كما هو الحال مع كافة المبدعين الآخرين في وطننا الكريم، وفي كافة المجالات، فأنتم من يسطر اسم الوطن في محافل الفكر الإنساني الذي يبقى ما بقيت الأرض ومن عليها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"