الهجرة إلى الفضاء
استخدمت الدكتورة ماري آيكن في كتابها التأثير السيبراني «كيف يغير الإنترنت سلوك البشر» عبارة «الهجرة البشرية إلى الفضاء السيبراني» وهو ما يدفع للتأمل بالعبارة من عدة زوايا مختلفة وتتبع انعكاساتها على سلوكياتنا، ومدى التغيير الذي أحدثته هجرتنا إلى الفضاء، الذي يجتذبنا البقاء فيه لساعات طويلة دون أن نشعر بالوقت أو الملل، وننسى أو نتناسى وأحياناً أخرى نفضله على واقعنا وعالمنا الحقيقي الذي نعيش فيه.
نرصد المتغيبين عن عالمنا بعقولهم وحواسهم في العديد من الأماكن، خاصة في المواقع التي تتطلب انتظار مثل: المستشفيات والعيادات والمقاهي، وأيضاً البيوت التي نشاهد فيها مثلاً سيدة تحدق في الجهاز المحمول لدرجة أن حواسها السمعية والبصرية باتت في حالة غياب عن محيطها، وباتت لا تسمع شيئاً حتى نداءات أطفالها، أو مجموعة يجلسون مع بعضهم جسدياً فقط، بينما توقفت كل أساليب الحوار أو المشاركة، في الوقت الذين هم في حالة تركيز بهواتفهم.
سلوكيات عديدة لا يمكن حصرها قد تغيرت مع اندماجنا في عالم القضاء السيبراني، لدرجة أن البعض بات يفضل البقاء فيه ربما هرباً من واقعه، أو اندهاشاً بفيض المعلومات المتوفرة في كل وقت، وإن كانت أحياناً معلومات غير دقيقة أو غير صحيحة أو بحثاً عن تسلية جديدة، بعد أن ملّت كل وسائل التسلية والترفيه في العالم الواقعي، أو بفضل ما تتيحه بعض المواقع من وسائل وأساليب تسلية قد تكون أحياناً خارجة عن المألوف لتلبي بذلك إشباع عنصر الرغبة في التجديد لدى بعض البشر.
الدكتور محمد الكويتي رئيس الأمن السيبراني لحكومة الإمارات، أكّد في معرض ومؤتمر الخليج لأمن المعلومات «جيسيك - 2021» الذي عقد في دبي قبل أسبوع، أن الحفاظ على الصحة الرقمية خلال جائحة «كورونا» تصدّر أولويات القائمين على الأمن الرقمي في الدولة، وبذلوا جهوداً كبيرة في التصدي للهجمات السيبرانية التي استهدفت التأثير في استمرارية الأعمال على مستوى العالم، خاصة أنّ مجموعة من الأخطاء الشائعة أسهمت في تسهيل مهمة القراصنة الإلكترونيين، لا سيما في ضوء الانتشار الواسع لمفهوم العمل من المنزل.
كل ذلك مدعاة لأن نتأكد بأن الوقت قد حان ليتأمل كل شخص مدة وجوده في هذا المكان المنعزل عن العالم الواقعي، وضبط مدة وجود الأبناء أيضاً، وأن ننظر إلى التغييرات التي أحدثتها التكنولوجيا في شخصياتنا وطريقة تفكيرنا وأسلوبنا في الحياة، ومدى تأثر محيطنا بغيابنا عنه والخلل الذي أحدثته في علاقاتنا الاجتماعية الواقعية وتربيتنا للأبناء الذين باتوا يجدون من يؤثر في تربيتهم في العالم الآخر، أكثر مما يجدونه بين أيدي والديهم.
mona_b_k@yahoo.com