مهمة إنقاذ لبنان

00:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

سوء توصيف للحال اللبنانية جاء عبر تقرير صدر مؤخراً عن البنك الدولي، فقد اعتبر التقرير أن ما يمر به لبنان حالياً قد يضعه «ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر»، في الوقت الذي لا يزال فيه اللبنانيون مختلفون حول تشكيل الحكومة، ما يجعل لبنان مشلولاً لجهة غياب الجهة التنفيذية المسؤولة فعلياً عن إدارة شؤون البلد، مع تقلّص الآمال بأن تجد أزمة الحكومة انفراجاً لها في القريب العاجل.

 التوقعات الدولية تقول إن اقتصاد لبنان لهذا العام سينكمش بنسبة تصل إلى 9.5%، نتيجة تداعيات عديدة، بدأت تظهر بشكل حاد بعد حادثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب من العام الماضي، وقد تسارعت حالة الانهيار الاقتصادي والمالي، وصولاً إلى عجز لبنان عن دفع أقساطه من الديون التي تمّ اقتراضها عبر حكومات متعاقبة من البنوك الدولية، وهو ما تبعه انهيار كبير في قيمة العملة الوطنية، التي خسرت حتى الآن حوالي 85% من قيمتها أمام الدولار.

 من الناحية العملية، لم يعد بالإمكان الحديث عن طبقة وسطى، خصوصاً أن أكثر من 50% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، من دون أن يعني ذلك أن الفئات الأخرى أحسن حالاً، فالدورة الاقتصادية في لبنان، والتي تعتمد فعلياً على قطاعات خدمية، أصبحت في حالٍ يرثى لها، فلا سياحة معتبرة منذ أعوام، كما تراجع دور المصارف اللبنانية، خصوصاً مع العقوبات الدولية و«قانون قيصر»، وكان هذان القطاعان (السياحة والمصارف) يشكلان عصب الاقتصاد اللبناني، وهما الآن في أسوأ حالاتهما، وقد أصبحت أعداد كبيرة من العاملين في القطاعين في حالة بطالة، يضاف إلى ذلك تراجع القدرة الشرائية لدخل العاملين، حيث يتقاضى أكثر من 90% منهم رواتبهم بالعملة الوطنية.

 بعد انفجار المرفأ، وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان، لإبداء تعاطفه مع الضحايا، بدا أن الأمل قد يأتي من خلال المبادرة الفرنسية، حيث قدّمت باريس خطة إنقاذ مالية للبنان مشروطة بإصلاحات جوهرية، كما تمكّنت باريس من حشد دعم أوروبي لخطتها، لكن هذه الخطة لم تجد طريقها إلى التنفيذ، وقد أعلنت باريس أكثر من مرة أن إفشال الوصول إلى اتفاق بينها وبين لبنان على خطة الإنقاذ، سببه النخب السياسية اللبنانية، التي وجدت أنها لن تكون مستفيدة بشكل مباشر من عملية الدعم، بل إن عملية حوكمة الإدارات، من شأنها أن تطال نفوذها وممثليها في المؤسسات، وتعرقل مصالحها.

 منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، تكيّف اللبنانيون مع الأوضاع الكارثية التي طالت بلدهم، خصوصاً الحرب الأهلية، لكن في كل مرحلة من المراحل الصعبة، كان هناك اهتمام إقليمي ودولي بلبنان، هذا الاهتمام اليوم يبدو في حالة تراجع، فمعظم دول المنطقة منشغلة باهتمامات أكثر استراتيجية من الموضوع اللبناني، كما أن الكثير من حكومات المنطقة تجد أن اللبنانيين قد أضاعوا الكثير من الفرص، بل وأهدروا الكثير من الأموال التي قُدمت لإعمار بلدهم بعد الحرب، وأن السياسيين أثروا مالياً من خلال عمليات المحاصصة، ولم يكن اهتمامهم منصبّاً على بناء الدولة اللبنانية، بل على الحفاظ على مكتسباتهم الحزبية والشخصية.

 مشروع الدولة الوطنية في لبنان وصل إلى حائط مسدود، فقد أبقت القوى السياسية التي وقّعت «اتفاق الطائف» في عام 1989، على كل أسباب الحرب قائمة، فعوضاً من الانتقال من الطائفية إلى الدولة، تمّ تكريس الطائفية بشكل نهائي بديلاً عن الدولة، وتحوّل السياسيون إلى زعماء طوائف، بدلاً من أن يكونوا أصحاب مشاريع وطنية جامعة، كما استساغت أطراف عديدة لعبة الاستثمار في التناقضات الإقليمية، لتثقيل وزنها الداخلي، على حساب الوزن الوطني للبنان.

 في معالجة الأزمة الراهنة، لا تبدو النخب السياسية قد استوعبت المستجدات الإقليمية والدولية، وتبدو منفصلة عن واقع حال اللبنانيين، أو حتى غير معنية بإيجاد حلول إنقاذية، بل يبدو أن تشكيل الحكومة اللبنانية ينتمي إلى الغرائبية السياسية، إذ إنه من غير المعقول أن يفشل المكلّف بتشكيل الوزارة بمهمته بعد سبعة أشهر من تكليفه.

 إنقاذ لبنان، ينبغي أن يكون العنوان الرئيسي لعمل كافة الفرقاء اللبنانيين، فغرق السفينة يعني غرق لبنان بأكمله، لكن الخشية أن يكون الوقت قد فات على هذه المهمة، وفي حال حدوثها ستكون أشبه بالمعجزة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"