الخوف من تضخم الأسعار

00:40 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

د. علي توفيق الصادق *

المعروف في الوقت الحاضر أن مصممي سياسات الانعاش الاقتصادي في أعقاب السيطرة على فيروس كورونا (كوفيد–19) في الاقتصادات المتقدمة كما الاقتصاديين، وخصوصاً العاملين في البنوك المركزية، يناقشون مسألة التضخم وتداعياتها على النمو الاقتصادي والبطالة والاستثمار. المعروف أيضا أن البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة كانت تحاول تحقيق نسبة تضخم في حدود 2% إلى وقت قريب ولم تنجح. ولكن في ظل الانتعاش الاقتصادي منذ بداية عام 2021 وخصوصاً في الربع الثاني من عام 2021 نتيجة برامج التحفيز الاقتصادي، بدأنا نسمع أصوات المحذرين من التضخم القادم. والسؤال المثار، لماذا الخوف من التضخم؟ يقول البعض إن التضخم شبح صعب المراس والفهم، وإذا تمكن من الاقتصاد يصبح من الصعب احتواء تداعياته. من علامات تضخم الأسعار «مرض النقود» أي انخفاض قيمة النقود. وعندما يصبح التضخم مفرطا «تموت» النقود وتصبح لا قيمة لها.

لا يوجد إجماع على أسباب التضخم، حيث يقدم الاقتصاديون مجموعة من التفسيرات المختلفة تشمل ارتفاع تكاليف الانتاج، سواء كان ذلك بسبب ارتفاع الأجور أو ارتفاع أسعار المواد الخام أو الاثنين معاً. أو تضخم الطلب بسبب زيادة الدخل أو زيادة السكان، أو زيادة كتلة النقود في الاقتصاد مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي (نقود كثيرة تلاحق سلع وخدمات قليلة).

لماذا يهتم الاقتصاديون وصانعو السياسات بالتضخم؟ الجواب البسيط هو أنه ينقل الثروة والسلطة. قد ينقل الثروة من كبار السن إلى الشباب، ومن الأغنياء إلى الفقراء، ومن المستهلكين إلى المنتجين، ومن الدائنين إلى المدينين، ومن القطاع الخاص إلى القطاع العام، ومن البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية، وما إلى ذلك. طبعاً هذه ادعاءات مثيرة للجدل إلى حد ما وتستند إلى القول إن الدائن (المقرض) يخسر والمدين (المقترض) يربح. يمكن بيان ذلك في المثال التالي: لنفترض أن البنك أقرضك 100 درهم بشرط أن تعيد للبنك 105 دراهم بعد سنة واحدة أي إن سعر الفائدة السنوي على القرض هو 5 في المئة. لنفترض أيضاً أنه في هذه الأثناء يرتفع التضخم بنسبة 105. قيمة القرض الحقيقية (القوة الشرائية) تصبح 95.5 درهم فقط بعد سنة (=95.5 = 105/110*100).

الفرق هو تحويل الثروة من البنك الدائن إلى المدين (105- 95.5= 9.5 درهم). من الناحية العملية، البنك يحمي نفسه برفع أسعار الفائدة. السبب في ارتفاع أسعار الفائدة بالفعل هو أن البنك يحمي نفسه من التضخم.

التضخم مهم للاقتصاديين وصانعي السياسات والمستثمرين. في الواقع أن التضخم مهم لكل الناس، سواء كانت الأسعار ترتفع أو تنخفض أو تظل مستقرة، فإن لها تأثيراً حاسماً على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام. قد يكون هذا أيضاً السبب الرئيسي وراء تفويض جميع البنوك المركزية تقريباً بالحفاظ على استقرار الأسعار. وبذلك، فإنهم يضمنون السلام بين الفاعلين الاقتصاديين في المجتمع.

في دبي يعد مركز الإحصاء وينشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك والتضخم الشهري والسنوي. يستند الرقم القياسي على 12 قسماً للانفاق الرئيسية ولكل منها وزن أكبرها وزن قسم «السكن، المياه، الكهرباء، الغاز والوقود» البالغ 43.62%. والبيانات المتاحة للأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري (2021) تشير إلى انخفاض المؤشر في كل شهر مقارنة بالشهر المقابل من عام 2020. وهذا يعني أن الأسعار كانت تنكمش وأن القيمة الحقيقية للدرهم كانت ترتفع. ويعزى سبب الانكماس في الأسعار إلى انخفاض مؤشر قسم «السكن والمياه...» حيث انكمش ب 8.83% و9.14 و8.63 و8.42 في يناير وفبراير ومارس وإبريل من عام 2021 مقارنة بالأشهر المقابلة من عام 2020. البيانات المتاحة عن التضخم في دبي تطمئن لأنها لا تشير إلى قرب ارتفاع التضخم محلياً، أما إذا انتشر التضخم في اقتصادات الشركاء التجاريين فذلك موضوع آخر.

*مستشار اقتصادي ومالي

عن الكاتب:
خبير مالي وإقتصادي