تونس والتغيير المطلوب

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

يبدو أنّ الأزمة التونسية قد بلغت أوجها، وراكمت من العناصر والمسببات ما يدفع نحو ضرورة حدوث تغيير جذري، ينبني على منطلقات فكريّة مغايرة تماماً لما انبنت عليه الدولة التونسية منذ الاستقلال.
 يمكننا القول إنّ المنظومة الفكرية والسياسية التي قادتها حركة النهضة منذ العام 2011، كانت أكبر عملية تحايل على الشعب التونسي، بما أنّها لم توفّر أو لم تضع شروط التغيير الجذري الذي طالب به التونسيون في عام 2011، وأهمّ غاياته تحقيق الحريّة والعدالة الاجتماعيّة. ففي واقع الأمر لم يحصل أيّ تغيير في مستوى إدارة البلاد، أو في مستوى توزيع الثروات. ففي الواجهة الأولى وبالرغم من التوافق على دستور جديد للبلاد، إلاّ أنّ منظومة 2011، لم تفعّل الدستور على الأرض، واكتفت بتنفيذ بعض بنوده التي تحقّق الفئة الحاكمة الجديدة التي هي خليط من انتهازيي الماضي، المتصالحين تحت ضغط لوبيات المال والفساد مع انتهازيي الحاضر، ومن الطبيعي أنّهما يعملان على تكوين طبقة انتهازيي المستقبل التي ستتحكم في مصير الشعب لمدى عقود قادمة. وحتى نكون أكثر وضوحاً، فإنّ إدارة الدولة وتوزيع المناصب القيادية فيها، ظلّ يعمل بنفس آليات المنظومة القديمة، أي من منطلقات العصبيّة «الجهويّة» وحتّى «القبليّة»، أضيف إليها عصبيّة الولاء إلى شخص رئيس حركة النهضة. 
وقد رأينا هذا يتجلّى بوضوح في تعيينات المحافظين وفي الانتخابات البلدية التي برهنت على أنّ الديمقراطية التونسية هي ديمقراطية مزيّفة، حيث تم تصعيد مسؤولين في البلديات لا يحوزون أيّ كفاءة وليست لهم مخططات وبرامج فعليّة للنهوض بالمناطق البلديّة التي تم انتخابهم فيها باستعمال المال الفاسد، ونرى الآن حجم المشاكل والاستقالات التي تشقّ المجالس البلدية وتعطّلها عن إسداء الخدمات للمواطنين.
 وتظهر عملية التحايل الكبرى في النظام البرلماني، الذي تم فرضه من قبل جماعة الإخوان في دستور 2014، فهذا النظام لم يعد يخفى على أحد أنه لا يصلح للتجربة التونسية وأنّه نظام معطّل لدواليب الدولة، بل إنّه نظام يخرّب العمليّة الديمقراطية ويفرغها من معانيها الحقيقية. ومع ذلك تصرّ منظومة الإخوان على التمسك بهذا النظام لأنّها تدرك أنّها لا يمكنها الإمساك بالسلطة إلا من خلاله، وهنا يتضح أن المصلحة الحزبية هي أولى من المصلحة الوطنية، ولذلك فجوهر النظام السياسي الذي بُنيت عليه منظومة 2011، هو الذي وجب تغييره، ودون أيّ حلول أو حوارات أو توافقات خارج دائرة «تغيير النظام البرلماني» هو مجرّد إضاعة للوقت وتفويت لفرص النهوض الاقتصادي والاجتماعي للشعب التونسي وهي متاحة بكثرة من الأشقاء والأصدقاء. 
 ولتأكيد وجهة نظرنا يمكننا الاستناد إلى تصريحات الفاعلين السياسيين أنفسهم الذين يجمعون على أنّ مشكلة تونس ليست إلاّ مشكلة سياسيّة، لكنهم يتوقفون عند «ويل للمصلين» كما يقال، لأنّ جوهر هذه الأزمة السياسية هو هذا النظام البرلماني العاجز والمنتج لطبقة حاكمة فاشلة وانتهازيّة وهي ليست خيار شعب؛ بل هي نتاج واضح للوبيات المال والفساد، ولإرادات بعض دول الإقليم التي تتحكم في المشهد السياسي التونسي منذ العام 2011.
 تغيير المنظومة السياسية في تونس هي الشرط الأوّل والأساسي لأي تغيير جذري في المجالات الأخرى، لأن حكومات ما بعد 2011، كانت تعبيرات متنوعة الأشكال والألوان عن خيارات بارونات الفساد، ولذلك تمّ تشريع كل القوانين التي تضيّق الاستثمار على التونسيين في الداخل والخارج، وتم سنّ قوانين من أجل أنّ تظلّ الثروة بيد تلك اللوبيات النافذة التي تغلغلت في البرلمان وكونت لوبيات سياسية تعمل لصالحها. الاستثمار المحلّي اليوم أبوابه موصدة أمام الشباب التونسي، وحتّى تلك الثروة البشرية التي تكونت في خيرة الجامعات التونسية، تتم محاصرتها ومنعها من الاستثمار في مجالات الذكاء الاصطناعي.
 المجال طويل لسرد أفعال «العصابة»، ولكن اقتلاعها من جذورها لا يتمّ إلاّ من خلال تغيير شامل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"