الرسم بالموسيقى

23:25 مساء
قراءة دقيقتين

د. نورة المزروعي

تتجلى صور إبداعية وتعبيرية هائلة في فني الرسم والموسيقى، وهذان الفنان الخالدان يلتقيان معاً في عنصر «الإيقاع»، فالموسيقى فن إيقاعي يسري وفق وحدة زمنية، حيث يتلاعب الموسيقي الماهر في درجة الصوت بين الارتفاع والانخفاض وفق تلك الوحدة، أما فن الرسم، فهو فن إيقاعي يسري وفق عامل مكاني، لأنه يتعامل مع الكتلة والفراغ، ونجده جلياً في اللوحة عبر الخطوط والأشكال وفن التعامل مع درجات اللون. 

يستطيع الرسام أن يخلق برشته «هارموني» متكامل بين الألوان والأشكال الهندسية، أما المقطوعة الموسيقية المؤلفة والموزعة، فهي تتناغم هارمونياً بالتوازي بين جميع الآلات الموسيقية.

يمكن لمشاهد اللوحة الفنية أو المستمع لمقطوعة موسيقية أن يستدل على حالة الرسام والموسيقي من خلال الألوان والمقامات الموسيقية، فمن خلال الألوان المنثورة على اللوحة، نفهم مزاج الرسام، فقد يكون اللون الأصفر في الثياب والوجه المرسوم على سبيل المثال علامة على الكآبة والشحوب، وربما يفهم الموسيقي المتأمل في اللوحة التي يطغى عليها اللون الأصفر بطريقة مزدوجة، قد يفهم ذلك بمعيار مماثل لرمز الرسام، ويقترح ألحاناً وتأليفات موسيقية على مقام الصبا (الحزين)، أو قد يحمل معنى معاكساً، يرمز إلى معاني البهجة والأمل، والانطلاق، كما توحي أشعة الشمس، التي تحمل إيحاءات مقام الرست الذي يشي بالفرح والبهجة، وهذا يتوقف على فهم مزاج كل من الرسام والموسيقي.

والموسيقي قد تستثيره لوحة فنية، وقد يعبر عنها بطريقته الخاصة التي لا تمت بأي مضمون لما يعتمل في ذهن وروح من قام برسم هذه اللوحة، وهذا يعني أن تفسير الأشياء من حولنا، يختلف باختلاف مزاج ووجدان وثقافة سواء المشاهد أو المبدع، فاللحن واللون، إنما هما مكونان تعبيريان لهما صلة بذلك الإيقاع الداخلي الذي ينعكس في اللوحة، كما يترجم نغماً خاصاً لا يشبه غيره، من هنا، نفهم آلية تعامل الموسيقي مع اللون وتحويله إلى نغم صوتي خاص، كما نستوعب حال الرسام أثناء تعامله مع مقطوعة موسيقية، يرغب في تحويلها إلى لوحة فنية، تحمل رموزاً ومعان متباينة، قد تقترب أو تبتعد عن الفكرة أو المضمون الذي أراده سواء الموسيقي أو الرسام.

أغنية «حلم» أو «الأطلال» لسيدة الغناء أم كلثوم، يمكن لرسام أن يغوص في معانيها، ويخرجها من مدلولها «الحزين» وقد يتعامل الرسام مع نص الأغنية بصورة تمثل ذلك الحزن بأشباح تنوح على الفراق، أو ربما يخرج معانيها من مدلولها «الحزين» إلى صورة إيجابية تحمل ألوان البهجة والسعادة، كصورة تمثل عاشقين يحلمان باللقاء.

تمثل العلاقة بين الرسم والموسيقي، علاقة سالبة وموجبة، وهذا يعني أن كلا المجالين قادران على أن يقوما بوظيفة نقدية تجاه الآخر. وهذه المهمة النقدية تعتمد على الرؤية الداخلية للفنان سواء كان رساماً أو موسيقياً، وعلى مزاجهما وطبيعة نظرتهما للحياة، التي تمثل الخبرات الحياتية جزءاً كبيراً منها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

حصلت د.نورة على الدكتوراه في الدراسات الخليجية من معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة .وماجستر في دراسات شرق أوسيطية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. ودبلوم خبيرة التسامح الدولي من كلية محمد بن راشد. ومن إصدارات الدكتورة: كتاب بعنوان "العلاقات بين الإمارات والسعودية"؛ حاز هذا الكتاب على جائزة العويس للإبداع في 19 أبريل 2017 عن فئة أفضل كتاب نشرته مؤلفة إماراتية. تعمل في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية وجامعة زايد وجامعة أبوظبي. لها العديد من المنشورات، كتاباتها تنحصر حول الفنون والثقافة. تعمل حاليًا على كتاب بعنوان "تأثير الموسيقى في حياتنا".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"