الأرموي..موسيقي عربي ملهم

23:19 مساء
قراءة دقيقتين

د. نورة صابر المزروعي

كان هناك الكثير من الفنانين في العصور المتباينة، وكانت لهم مكانة مهمة في قصور الخلفاء؛ ومن بينهم صفي الدين عبد المؤمن بن يوسف بن فاخر الأرموي. كان أمهر الخطاطين في زمانه، تولى إدارة المكتبات والمخطوطات القديمة في عهد المستعصم بالله، وكانت لديه مواهب فنية، ولما سمع الخليفة عزفه على آلة العود؛ رفع من شأنه، وأمر بتعينيه رئيساً لمعهد الموسيقى ببغداد، ليصبح نديماً للخليفة. وهذا الاعتراف بمواهبه الفنية؛ شجعه على التأليف، فكتب «كتاب الأدوار» الذي يصنف من أنفس الكتب الموسيقية، وأقدم نسخة من هذا الكتاب محفوظة بمكتبة «نور العثمانية» بإسطنبول. 

والكتاب من أهم المصنفات العربية وأوفاها في معرفة النغم والأجناس وتدوينها، أما كتابه الثاني فهو «الرسالة الشرَفيَّة في النسب التأليفية»، ويتناول ظاهرة «الصوت»، وتوجد نسختان منه؛ الأولى محفوظة «بجامعة ييل» بالولايات المتحدة؛ والثانية بمكتبة برلين.

عاصر الأرموي سقوط بغداد عام 656، وقتل الخليفة، وإحراق المكتبات والمدن. وعلى الرغم من الدمار الذي حل ببغداد، فإن الحي الذي سكنه صفي الدين الأرموي نجا من الدمار، وتذكر كتب التاريخ أن الأرموي طلب من أهل الحي جمع ما يساوي خمسين ألف دينار، وتمكن بحنكته أن يتقرب من أمير الجند المنغولي، وقال له: «هذه مراكب الخليفة وهدايا أهالي الحي صارت في حكمك، فإن تصدقت على أهلها بأرواحهم فقال أمير الجند: وهبتهم أرواحهم... فطلب هولاكو الالتقاء به، فقال له: أنت يا مغني ونديم الخليفة، ما أجود ما تعلمت في فن الطرب؟ فقال: أحسن الألحان إذا سمعها الإنسان ينام». فقال هولاكو: فغن لي الساعة حتى أنام، ودندن على عوده حتى نعس هولاكو. فقال له: صدقت يا أرموي، تمن علي، فقال: أتمنى أن أمتلك بستاناً. فتبسم هولاكو وقال: هذا مسكين، فمنحه البستان، وأسندت إليه وزارة الأوقاف بجميع أنحاء العراق، وربط له ضعف ما كان يتقاضاه من الخليفة المستعصم بالله.

وهذه القصة تحمل الكثير من العبر، حول تأثير الفنون على الإنسان، وتأكيد أخلاق الفنان، فكل ما طلبه هذا الفنان الملهم، هو فقط أن يدندن على عوده، ومجرد بستان صغير، وهذا يدل على أخلاقه ورهافة حسه؛ حيث استطاع بحنكته أن يتعامل مع عدوه، وأن يحمي أرواح الحي من فظائع ووحشية المغول.. لقد صدق الرسول الكريم حيث قال: «تهادوا وتحابوا».. وعلى الرغم من الفظائع التي ارتكبها هولاكو في التاريخ الإسلامي، فقد رق قلبه وعطف على الأموري وأهل حيه. ومن العبر أيضاً حنكته في التعامل مع الغزاة، وربما تكفي كلمة عابرة غير مدروسة لتكون سبباً في قتله وهلاك أهل حيه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

حصلت د.نورة على الدكتوراه في الدراسات الخليجية من معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة .وماجستر في دراسات شرق أوسيطية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. ودبلوم خبيرة التسامح الدولي من كلية محمد بن راشد. ومن إصدارات الدكتورة: كتاب بعنوان "العلاقات بين الإمارات والسعودية"؛ حاز هذا الكتاب على جائزة العويس للإبداع في 19 أبريل 2017 عن فئة أفضل كتاب نشرته مؤلفة إماراتية. تعمل في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية وجامعة زايد وجامعة أبوظبي. لها العديد من المنشورات، كتاباتها تنحصر حول الفنون والثقافة. تعمل حاليًا على كتاب بعنوان "تأثير الموسيقى في حياتنا".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"