مساحة للخيال في النحت

22:30 مساء
قراءة دقيقتين

يعد فن النحت من الفنون القديمة، ويتجلى لنا بدقة متناهية في المدن التاريخية مثل: مدينة العلا والبتراء والأحقاف. كان الغرض الرئيسي من النحت في الحضارات القديمة توثيق الأحداث اليومية، كما كان وسيلة للتعبير ونقل المعلومات عن تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. عُرف فن النحت منذ العصور البدائية بداية من العصر الحجري واستمر حتى يومنا هذا.

كشفت لنا نتائج البعثات الأثرية عن وجود نماذج لفن النحت الذي كان سائداً في الحضارات القديمة باختلاف أشكالها، ومنها ما تم اكتشافه في الحضارات الفرعونية والأشورية والرومانية واليونانية. ففي الحضارة الفرعونية كان الغرض من النحت تخليد ذكرى الملوك الآلهة، التي كانت تنحت بطريقة تبرز فيها عظمة الملوك والوزراء والنبلاء في مصر القديمة بوقفة شامخة لا حراك فيها، ونتيجة لسيطرة فكرة البعث بعد الموت على الحضارة المصرية، عمل النحاتون على تأكيد تلك الفكرة، الأمر الذي تجلى بوضوح في المقابر والمعابد والجدرايات.

أما في الحضارة البابلية والأشورية فركزت فنون النحت على تصوير الملوك بتفاصيل دقيقة، فكانت فكرة الملك القوي والأسطوري الذي لا يقهر تظهر في كافة التكوينات النحتية، وصور النحاتون ملوك بلاد الرافدين وهم يصطادون حيوانات وحشيه كالأسود والنمور، كما اهتموا بإبراز ملامح وجه الملك، مثل الذقن وتصفيف الشعر.. إلخ.

في العصر اليوناني حدثت طفرة في تفاصيل المجسمات المنحوتة، أصبح الفنان يهتم أكثر بتفاصيل الجسم وإبراز العضلات بدقة أعلى من الحضارات السابقة، وحرص النحات على إشعار المشاهد بنوع ما من الحركة في أعماله، وباتت المنحوتات اليونانية تحاكي واقع الإنسان بكافة تفاصيله، ولم تقتصر المنحوتات اليونانية على الملوك والنبلاء والوزراء وحسب، بل جسدت شخصيات عامة.

واستمر فن النحت في تصوير الأشخاص طوال القرن التاسع عشر، ولكن بدأ بالتحول مع مستهل القرن العشرين على يدي النحات رودان، الذي ركز على القيمة التعبيرية الكامنة في طريقة التشكيل نفسها، وبعد ذلك لم يعد النحات يهتم بإبراز الهيئة الجسمانية كاملة، بل كانت هناك في المنحوتة أجزاء ناقصة.

أصبح فن النحت الحديث يعتمد بشكل كبير على القيم التجريدية أكثر من توجهه نحو إبراز تفاصيل الجسد. وركزت رسالة رواد النحت في العصر الحديث على التعبير عن شيء جديد في حد ذاته يعتمد على العلاقة بين فن الكتلة والفراغ، وترك الفنان مساحة للعقل للتخيل والتفكير في الفراغات الموجودة في المجسمات المنحوتة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

حصلت د.نورة على الدكتوراه في الدراسات الخليجية من معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة .وماجستر في دراسات شرق أوسيطية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. ودبلوم خبيرة التسامح الدولي من كلية محمد بن راشد. ومن إصدارات الدكتورة: كتاب بعنوان "العلاقات بين الإمارات والسعودية"؛ حاز هذا الكتاب على جائزة العويس للإبداع في 19 أبريل 2017 عن فئة أفضل كتاب نشرته مؤلفة إماراتية. تعمل في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية وجامعة زايد وجامعة أبوظبي. لها العديد من المنشورات، كتاباتها تنحصر حول الفنون والثقافة. تعمل حاليًا على كتاب بعنوان "تأثير الموسيقى في حياتنا".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"