اتفاق الكبار

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين

صادق ناشر

انتهت قبل يومين ما يمكن وصفها ب«قمة القمم»، التي عقدت بين الرئيسين الأمريكي الجديد جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، والتي احتضنتها مدينة جنيف السويسرية، وهي قمة انتظرها العالم وتابعها باهتمام؛ لأنها ترسم ملامح العلاقات الدولية خلال الفترة المقبلة، بالذات خلال فترة بقاء بايدن في البيت الأبيض؛ لأن السياسة الأمريكية تتقلب وفق أهواء رؤسائها، على عكس ما هو ثابت لدى الكرملين، بصرف النظر عن الرئيس الذي يقيم فيه.

 بعد القمة.. خرج الرئيسان للإعلان عن نتائج ما جرى نقاشه؛ حيث قدما رؤيتين مختلفتين، عكستا مفهومين للدور القيادي العالمي لكل منهما، لكن القمة تمكنت في النهاية من تنفيس الاحتقان الذي ظل قائماً في العلاقة بين البلدين منذ سنوات، خاصة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب؛ حيث هيمنت عليها الاتهامات الأمريكية لروسيا بالتأثير في الانتخابات الرئاسية، وما أشيع من تمكن روسيا من القرصنة على نتائج الانتخابات وحتى ما قبلها.

 ومع أن مراقبين عدة توقعوا حدوث صدام سياسي بين الرئيسين، إلا أن الأجواء بدت هادئة، سواء قبل القمة بساعات أو بعدها، على الرغم من التصريحات التي أدلى بها بايدن قبل أسابيع، والتي وصف فيها نظيره الروسي ب«القاتل»، قبل أن يعود مرة ثانية ليكررها قبل يومين فقط من اللقاء، ويبدو أن الدولتين أدركتا خطورة الذهاب إلى آخر الطريق في حالة استمرار العداء بينهما؛ لهذا قررتا إعادة السفراء والدبلوماسيين الذين تم طردهم في ظل الخلافات الحادة بين البلدين قبل أشهر.

 بالطبع يحاول الرئيس الأمريكي إعطاء انطباع بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن حلفائها، وهناك قائمة طويلة من الخلافات مع روسيا بشأنها، من بينها أوكرانيا والشرق الأوسط وحلف الأطلسي والصين، وقد أراد بايدن طمأنة حلفائه الأوربيين بأن واشنطن ستكون إلى جانبهم، بعد استضافة لندن للحلفاء كافة، لكن في نهاية المطاف يدرك بايدن أن العداء مع موسكو لن يجلب إلا المزيد من الأزمات، وبالتالي ستسير الأمور نحو حرب باردة جديدة، لن يتحملها الطرفان، خاصة الولايات المتحدة التي تخوض معارك مع أطراف مختلفة في كافة الجبهات.

 في نهاية المطاف، أدرك الرئيسان أن أحداً لا يستطيع بمفرده تقرير مصير العالم، وهي حقيقة أكدتها الصين، القوة العالمية الصاعدة، التي أشار رئيسها قبل أيام إلى أن على الولايات المتحدة أن تدرك أن دولاً قليلة لن يكون بإمكانها تقرير مصير العالم، وأن عليها تقبل المنطق بأن التعاون الدولي هو السبيل الوحيد لصياغة حاضر البشرية ومستقبلها.

 لذلك يتفق الكبار حين يعتقد البعض أنهم قريبون من حافة الانفجار الكبير، حدث هذا أكثر من مرة في الماضي، وسيحدث في المستقبل؛ إذ إن أياً من اللاعبين الكبار لن يسمح بأن ينزلق العالم إلى مواجهة شاملة، فجميعهم يدركون أن نتائجها لن تقتصر على بلدانهم فقط؛ بل على البشرية بأكملها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"