الوهم الأمريكي في أفغانستان

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين

لم ترفع حركة «طالبان» راية الاستسلام في أفغانستان، كما توهم الأمريكيون، بل زاد نشاطها مؤخراً، وبدأت بإسقاط المناطق تباعاً، تزامناً مع الانسحاب المُذل الذي قامت، وتقوم به الولايات المتحدة الأمريكية، بعد سنوات طويلة من الاحتلال الفعلي للبلاد، إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001.
وفي وقت كانت وزارة الدفاع الأمريكية، «البنتاجون»، تعلن أن وتيرة انسحاب قواتها من أفغانستان قد يتباطأ إذا واصلت «طالبان» تحقيق مكاسب ميدانية، كانت الحركة تعلن سيطرتها على منطقة ميوند في قندهار، كما سيطرت على منطقة رئيسية في ولاية قندز، شمالي البلاد، وحاصرت العاصمة الإدارية، لتؤكد من جديد عدم صوابية القرار الذي اتخذته واشنطن بالانسحاب من أفغانستان قبل إنهاء المهمة التي جاءت من أجلها.
 في المجمل، ظهرت حركة «طالبان» أنها أكثر ديناميكية من القوات التابعة للولايات المتحدة، وبقية دول التحالف، ذلك أن قدرتها على التحرك في الأراضي الأفغانية أكسبها مزيداً من الثبات، كما أن غياب النموذج الذي دعمته الولايات المتحدة لنظام الحكم في البلاد، جعل الأفغان يعزفون عن التمسك به، وعادت بعض القواعد التي فقدتها الحركة بفعل الضربات العسكرية الأمريكية، إليها من جديد.
 لم تنصت واشنطن للتحذيرات التي قدمها مستشارون في الإدارة الأمريكية، سواء كانت السابقة في عهد الرئيس دونالد ترامب، أو الحالية التي يديرها جو بايدن، ومفادها أن الانسحاب من أفغانستان في هذا الظرف يعني تسليم البلاد إلى «طالبان»، خاصة بعد أن التقطت الحركة أنفاسها بفعل الاتفاقية التي وقعتها مع واشنطن، والمفاوضات السياسية التي جرت بين الجانبين، وكانت التحذيرات تنطلق من حقائق يدركها العسكريون أكثر من السياسيين الذين باتوا يبحثون عن عمل دعائي لا علاقة له بالأرض.
 صحيح أن التدخل الأجنبي في أفغانستان مرفوض، كما هو الحال في تدخلات أخرى، لكن طريقة الانسحاب الأمريكي من دون ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في البلاد، يزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، ما قد يدفع قوى أخرى إلى ملئه، إذ إن القوى لا تقتصر على الداخل فقط، بل وعلى الخارج، حيث يشار إلى روسيا، وهي القوة التي تم إخراجها بالقوة من أفغانستان في أواخر ثمانينات القرن الماضي، إضافة إلى دول أخرى مجاورة ترى في الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الأمريكي فرصة للعودة إلى أفغانستان.
 لهذا السبب تبدو الكثير من المناطق في طريقها إلى السقوط في قبضة «طالبان»، ولن يقتصر الأمر على ذلك، بل ستكون الأنظار متجهة إلى كابول، حيث النظام المدعوم من الولايات المتحدة سيكون قاب قوسين من الانهيار، ما يعني أن جهد ما يقرب من 20 عاماً من الحضور الأمريكي والدولي في أفغانستان تحت حجة مكافحة الإرهاب كان وهماً وسراباً.
 الأخطر من ذلك، أن الإرهاب الذي كانت تقاومه الولايات المتحدة في الأراضي الأفغانية، سيكون لديه القدرة على الوصول إليها في عقر دارها، ومهما نفذت واشنطن من ضربات جوية، كما أعلنت أكثر من مرة، فإن ذلك لن يقيها من وصول الإرهاب إلى عقر دارها، عاجلاً أو آجلاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"