«كورونا» والسياسة

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

يبدو أن فيروس كورونا بنسخته المتحورة ومنها ال«دلتا» سيعيد هجومه الشرس على البشرية، هذا ما تقوله الأخبار المنتشرة هنا وهناك. فبعض الدول التي تراجعت فيها إصابات الفيروس التقليدي عادت لتعلن عن إصابات بالمئات، ودول أخرى مثل بريطانيا قررت فتح أسواقها والتعامل مع نظرية مناعة القطيع، غير آبهة بخطورة الفيروس المتحوّر، ما يشير إلى اضطراب في استراتيجيات إدارة فيروس كورونا، وخاصة السياسات التي اتبعتها منظمة الصحة العالمية، التي كانت تعطي التعليمات وتوفر البيانات عن الفيروس وطبيعته وسبل الوقاية منه ومقاومته ومستوى مناعة الإنسان ضده وديمومة هذه المناعة.
 نذكر مع بداية انتشار الوباء كيف أن منظمة الصحة العالمية، عن طريق مكاتبها وأطبائها في العالم، زرعت الرعب بين الناس معلنة أن الفيروس يمكنه البقاء على الأسطح ساعات طويلة باختلاف نوع السطح، بين معدن أو خشب أو ملابس وحتى النقود، وبالتالي يمكن انتقال العدوى باللمس، ونشروا معلومات بعد ذلك تقول إن الفيروس ينتقل مع الرذاذ، أي عن طريق العطس أو السعال أو التنفس المباشر. 
وذكرت منظمة الصحة العالمية، أن الذي يصاب بفيروس كورونا يكتسب مناعة طويلة قد تصل إلى 19 عاماً ولا يمكن أن يصاب خلالها، ثم نشرت معلومات تفيد بأن المصاب يتمتّع بمناعة ثلاثة أشهر أو خمسة أشهر فقط، ثم خفضت فترة الحجر من 14 يوماً إلى 10 أيام. وهذه المعلومات المتضاربة كانت تصدر عن أطباء وبروفيسيرات ما خلق بلبلة بين الناس.
 أما قصة اللقاحات فشبيهة بما سبق، وقيل إنه لا بد من أخذ جرعتين، وبعدها قيل إن الجرعة الواحدة تمنح الجسم مناعة بنسبة 95% وبعدها قيل إنه لا بد من جرعة ثالثة لتعزيز المناعة، مع ظهور الفيروس المتحوّر الذي سُرّبت معلومات بشأنه بأنه يستطيع مقاومة اللقاح، وهكذا.. ولهذا بدأ البعض يشكك بمصداقية منظمة الصحة العالمية واستندوا إلى وقائع إنفلونزا الطيور، عندما أعلنته المنظمة كوباء من أجل تسهيل بيع اللقاحات، والنتيجة كانت أن تكدّست اللقاحات في المخازن.
 يخشى المراقبون من استغلال الفيروس في الأمور السياسية خاصة في ما يتعلق بالإقفال، فبعض الدول التي تكثر فيها التظاهرات والاضطرابات السياسية لجأت إلى الإقفال ومنع التجوّل لوقف التظاهرات، وورد خبر قبل أيام قليلة عن مسؤولين تونسيين قولهم إن الحكومة فشلت في التصدي للفيروس، ما اعتبره البعض إعلاناً سياسياً لمنع التظاهرات والاحتجاجات، وإقفال الحدود مع ليبيا. كما استُغل الفيروس في الأمور الاقتصادية من أجل إقفال الشركات الصغيرة، وهذا ما تم مع آلاف الشركات الصغيرة التي أقفلت وأعلنت إفلاسها.
 لا نستطيع الجزم بربط السياسة والاقتصاد القصدي بفيروس كورونا، لكن المعلومات المتضاربة وحالات إقفال الدول التي تمت في بداية انتشار الوباء، التي تبيّن في ما بعد، عدم ضرورة الإقفال، تؤدي إلى الاعتقاد بربط الفيروس في السياسة، ففي لبنان مثلاً، وهو نموذج واضح، تم إقفال البلاد ليمنعوا التظاهرات، بينما امتنعت مدن مثل طرابلس في شمال لبنان عن الإقفال وخالفت منع التجوّل وخرجت تظاهرات احتك فيها الناس عن قرب ببعضهم بعضا، والغريب أن الإصابات تراجعت في ما بعد.
 نأمل أن تُدار أزمة الفيروس المتحوّر بأساليب علمية أفضل من السابق، فبعض الدول لم يعد بمقدورها الإقفال والعمل عن بعد؛ بل إن بعض الدول غير مهيّأة للعمل عن بعد بسبب ضعف البنية التحتية، والشعوب لم تعد قادرة على مواجهة أعباء المعيشة، لهذا، على منظمة الصحة العالمية أن تأخذ هذا في الاعتبار وهي تطلب من الدول الإقفال أو الامتناع عن الذهاب إلى العمل، راجين للبشرية جمعاء الصحة والسلامة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"