«بريسترويكا» هافانا

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

انتظر مواطنو الاتحاد السوفييتي سنوات طويلة منذ أن سيطر ستالين الرهيب وحلفاؤه على مقاليد السلطة، قبل أن يظهر عليهم ميخائيل جورباتشوف بنظرية «البريسترويكا والجلاسنوست» التي أنهت الحكم الشيوعي وحررت الشعوب والجمهوريات وقلبت الموازين رأساً على عقب. وبالنسبة لكوبا التي تعتبر آخر القلاع الشيوعية في العالم الغربي، فقد استغرق الأمر زمناً أطول قبل أن تخرج التظاهرات أمام مقار الحزب الشيوعي في المدن المختلفة، ويصرخ خلالها المتظاهرون «كوبا ليست لكم.. ونريد الحرية والطعام».

اندلعت التظاهرات النادرة والشبيهة بالانتفاضة الشعبية بشكل غير متوقع، وكان وقودها الانهيار الاقتصادي الذي تسبب في الغلاء الفاحش والارتفاع غير المسبوق للأسعار ونقص الدواء، إضافة إلى فشل الحكومة في السيطرة على انتشار وباء كورونا. وانطلقت التظاهرات في العاصمة هافانا، لكنها تمددت إلى مدن عديدة أخرى، وكانت شيئاً جديداً ومفاجئاً.

ومما لا شك فيه أن السلطة الكوبية قد فوجئت بحجم الاحتجاجات الشعبية وهذا ما يفسر اللجوء إلى الأسلحة التقليدية القديمة التي تصم أذنيها عن سماع صوت الشعب وتسارع بتوجيه اتهامات إلى الأعداء في الخارج، وتستخدم لغة التهديد والوعيد في الداخل مع تعبئة أنصارها للدفاع عن الثورة وإخماد التمرد.

لكن التهديدات لن تكون ذات جدوى كبيرة عندما تكسر الجماهير حاجز الخوف. 

وينكسر حاجز الخوف عادة عندما تجد الجماهير في مواجهة احتمالات الموت جوعاً، أو تجد نفسها تحت رحمة الوباء القاتل الذي عجزت السلطات عن السيطرة عليه وحماية الناس من خطره. في مثل هذه الحالات يتغلب خوف الناس على قوة السلطة، وتتحول الجماهير نفسها إلى وحوش كاسرة انفلتت من عقالها وباتت يهدد بقاء السلطة نفسها.

لا يزال الوقت باكراً على التنبؤ باحتمالات تطور الحركة الاحتجاجية الجديدة في كوبا، وما إذا كانت السلطات الكوبية قادرة على احتواء التحرك الشعبي وإعادة فرض سيطرتها على الوضع، لكننا بلا شك سنشهد فصلاً من المبارزة المتوقعة بين الحلفاء في أمريكا الجنوبية وروسيا وربما الصين، وبين الخصوم في واشنطن وعواصم لاتينية مؤيدة للخط الأمريكي، وربما أوروبية أيضاً.

هذه المبارزة المتوقعة قد تطول أو تقصر استناداً إلى تطور مسارات الأحداث الداخلية، فهي تقتات من هذه الأحداث. فالولايات المتحدة مهتمة كثيراً بنجاح «البريسترويكا» الجديدة في أقوى المعاقل الشيوعية الباقية، وستعمل على تشجيع سقوط الحجر الشيوعي الكوبي الكبير. أما روسيا فعلى الرغم من أنها تركت النهج الشيوعي خلف ظهرها فإنها لا ترغب في فقدان حليف وورقة ضغط مهمة في خاصرة خصمها الأمريكي.

الرهان هنا يتعلق بشكل أساسي باستعداد الحركة الاحتجاجية وقدرتها على الصمود، وبلورة مطالبها الداعية للتغيير وإنشاء مركز موحد للقيادة، وإبراز قيادات بديلة للقيادات الحكومية تحظى بشعبية، مع ابتكار الوسائل والطرق التي تتيح لها التغلب على الصعوبات الناجمة عن قطع السلطات خدمات الإنترنت، وإبقاء تواصلها مع الفئات الشعبية حياً وفعالاً، على الرغم من حرمانها من هذه الوسيلة المهمة في التعبئة والحشد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"