نفد الصبر وقضي الأمر

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

دخلت تونس مع وصول «حركة النهضة» الإخوانية إلى السلطة بعدما سرقت ثورة 2011، في عشرية سوداء قاتمة، تحولت البلاد خلالها إلى دولة كسيحة عاجزة، غير قادرة على توفير أدنى متطلبات الحياة لأبنائها، بعدما هيمنت الحركة على معظم مفاصل السلطة، وعاثت فساداً وتخريباً، وأدخلت البلاد في صراعات سياسية عبثية ظناً منها أنها بذلك تفرض نظاماً على مقاسها، يقوم على «المغالبة وليس المشاركة»، إلى أن وصلت البلاد إلى حافة الهاوية.

 في ظل هكذا وضع من التردي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كانت تونس تنتظر لحظة خلاص بعدما فاض الكيل، ولم يعد بمقدور الشعب التونسي تحمل المزيد من العذاب والقهر والموت البطيء. وجاءت اللحظة مع فجر يوم 26 الحالي، إذ أطل الرئيس قيس سعيّد ليعلن نهاية الحقبة الإخوانية، بعدما «بلغت الأوضاع حداً لم يعد مقبولاً، وبعدما نفد الصبر بالرغم من التحذيرات التي أطلقها».

 هذا الانتظار الطويل، والصبر على سلوك «حركة النهضة» التي سعت إلى تفجير الدولة من الداخل، وعملت على شلل المرافق العامة، واستشراء الفساد، وحولت البرلمان إلى سيرك سياسي، ومجلس للسباب والشتائم والاعتداء على الخصوم، «لم يكن ضعفاً أو خوفاً»، كما قال سعيّد، إنما كان محاولة منه لإعطاء «النهضة» فرصة للمراجعة لعلها تتخلى عن غيّها وتعود إلى رشدها، لكن بعدما فقد الأمل، وبدأ الشارع يغلي، وظهرت مؤشرات خطيرة على إمكانية تحول الغضب الشعبي إلى مواجهات دامية بما تشكله من «خطر داهم»، بادر سعيّد إلى اتخاذ ما يلزم من تدابير استثنائية ووفقاً للدستور، وبما تقتضيه مسؤوليته أمام الشعب التونسي.

 ما حصل لم يكن انقلاباً، إنما تصحيح مسار ثورة تم السطو عليها وعلى مبادئها. ولذلك نزل الشعب التونسي إلى الشوارع مؤيداً ومباركاً هذه الخطوة الشجاعة التي وضعت حداً لسطوة الإخوان، ولمخطط التمكين الذي سعوا إليه، وقطعت ذراعاً جديدة لتنظيم الإخوان الدولي.

 لقد كان واضحاً أن «حركة النهضة» حاولت ممارسة التضليل والخديعة من خلال الظهور بمظهر التنظيم السياسي الديمقراطي الذي يؤمن بالمشاركة السياسية، وتداول السلطة، والنأي بالنفس عن تنظيم الإخوان الدولي، لكن الممارسة اليومية لهذه الحركة، والوسائل التي لجأت إليها للهيمنة والتسلط والتمكين والسعي لإقصاء الآخر، كشفت حقيقتها بأنها لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالشراكة، عدا أنها مستعدة كما هي طبيعة «الإخوان» للعمل كأداة في خدمة استراتيجيات أجنبية.

 لقد نفد الصبر وقضي الأمر، فالدولة التونسية حسمت الموقف لمصلحة الشعب الذي لفظ «حركة النهضة» ونزل إلى الشوارع مقتحماً مراكزها ومقارها في أكثر من مدينة، كما أن المؤسسة العسكرية التي عانت الأمَرّين خلال السنوات العشر الماضية، تنفذ القرارات الاستثنائية كظهير عسكري للشعب والرئيس، على أمل أن تعود تونس في القريب العاجل إلى المسار الصحيح ل«ثورة الياسمين».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"