عادي

الحرب التجارية تحول «اليوان» إلى ثالث أقوى عملة عالمية

22:56 مساء
قراءة 4 دقائق
5

إعداد : وائل بدر الدين

حقق اليوان الصيني بداية من العام 2020 قفزات كبيرة مكنته أخيراً من احتلال المرتبة الثالثة في قائمة العملات العالمية، وذلك على الرغم من الحرب التجارية مع أمريكا وأزمة كورونا التي بدأت من الصين تحديداً، فيما ترجح التحليلات المالية المتخصصة في مجال العملات، أن يحظى اليوان الصيني بقوة إضافية بعد توجه العديد من البنوك المركزية حول العالم لزيادة احتياطاتها منه.

بلغ مؤشر عولمة اليوان 5.02 نقطة في نهاية العام 2020، بارتفاع بلغ أكثر من 50% مقارنة بالعام السابق، وتخطى بذلك مستوى التداول العالمي لكل من الين الياباني والجنيه الاسترليني، وفقا لتقرير «آر ام بي» الصادر عن «معهد النقد الدولي» «IMI». وجاء هذا النمو الكبير للعملة وفقاً للتقرير، بعد التعافي الذي شهده الاقتصاد الصيني والانفتاح على القطاع المالي، إلى جانب استقرار السياسة النقدية والتعاون الدولي في مجال تداول العملات.

عائدات أكبر

وأشار خبراء إلى أن سماح السلطات الصينية بتداول اليوان ودخوله إلى مؤسسات مالية عالمية جديدة، مكن المستثمرين من جميع أنحاء العالم من توسيع تجارتهم وترسيخ أعمالهم في الصين بما يحقق لهم عائدات أكبر مقارنة بأسواق عالمية أخرى. إلى جانب ذلك، فقد كان لإلغاء القيود المفروضة على الحصص الاستثمارية الأجنبية المقومة باليوان الصيني، دور كبير في القوة التي اكتسبتها العملة خلال الفترة الماضية، إذ خفضت السلطات المالية في الصين متطلبات الدخول والاستثمار، ووسعت النطاق الاستثماري المتاح للمستثمرين من الخارج وقدمت العديد من التسهيلات في هذا الصدد. 

ووفقاً للتقرير، ارتفع حجم الأصول المالية المقومة باليوان الصيني، والتي تمتلكها مؤسسات مالية أجنبية وأفراد، بنسبة بلغت 40.11% على أساس سنوي في العام 2020، ليصل مجموعها إلى 8.98 تريليون يوان (1.39 تريليون دولار أمريكي). وتماشياً مع ذلك، اكتسب اليوان الصيني قوة أكبر كونه عملة احتياطية تستخدمها العديد من البنوك المركزية حول العالم، إذ أشارت البيانات إلى أن أكثر من 70 بنكاً مركزياً حول العالم يستخدمون اليوان الصيني كعملة احتياطية، سواء كان ذلك عن طريق الأوراق النقدية أو الأصول المربوطة باليوان، وهو ما انعكس في نمو حجم العملة الصينية المستخدمة كاحتياطات بنسبة 14.8% على أساس سنوي، لتمثل 2.25% من أجمالي الأصول والعملات الأجنبية الاحتياطية حول العالم في العام 2020. 

مبادرة الحزام والطريق

وقالت وانج فانج، عميد كلية الدراسات المالية بجامعة رينمن الصينية، إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في تسهيل التدفقات النقدية الخارجة والواردة من الصين، كان له دور كبير في المكانة التي اكتسبتها العملة خلال الآونة الأخيرة، مشيرة إلى أن المزيد من الخطوات الإيجابية، يمكن أن تحلق باليوان الصيني إلى مستويات جديدة كلياً من حيث استخدامه وتبنّيه على المستوى العالمي. وسلطت وانج الضوء على الدور الذي لعبته مبادرة الحزام والطريق في تعزيز مكانة العملة الصينية وترسيخ مكانتها كعملة عالمية يمكن استخدامها على نطاق واسع في التعاملات التجارية والمالية.

وقد كانت العديد من التقارير السابقة تشير إلى أن احتلال اليوان الصيني لهذه المكانة ما هي إلا مسألة وقت، بالنظر إلى النمو الكبير في حجم التدفقات الاستثمارية إلى الصين، وزيادة حجم التداول بالأصول المقومة باليوان، فقد توقع بنك «مورجان ستانلي» الأمريكي في تقرير أصدره بسبتمبر من العام الماضي، صعوداً قوياً للعملة، حيث قدر التقرير أن يمثل اليوان نحو 10% من الأصول الاحتياطية بحلول العام 2030، وهو ما سيضعه في المرتبة الثالثة عالمياً خلف كل من الدولار الأمريكي واليورو، في ظل تقهقر الجنيه الاسترليني بسبب غموض الوضع الاقتصادي البريطاني نتيجة لخروجها من الاتحاد الأوروبي، والين الياباني الذي ما ينفك يتقلب بين الفينة والأخرى.

الحرب التجارية

وجاءت تلك التوقعات التي سلطت عليها الضوء العديد من المؤسسات الدولية، غير مفاجئة للجميع، بسبب الإجراءات الفاعلة التي اتخذتها الحكومة الصينية في الانفتاح على العالم بعد الضغوط التي تعرضت لها نتيجة الحرب التجارية التي دارت رحاها مع الإدارة الأمريكية السابقة تحت حكم دونالد ترامب، والذي أدت حملته الشعواء على الاقتصادات العالمية المنافسة إلى تحجيم دورها والبحث عن خيارات أخرى غير الدولار، وكان لمرونة الحكومة الصينية في التعاطي مع الحرب التجارية، أثر كبير في القوة التي اكتسبها اليوان الصيني، حيث بدأت العديد من الاقتصادات في استخدامه بشكل أكبر هرباً من الضغوط الأمريكية.

وكان التقرير قد حذر وقتها من أن ممارسة إدارة ترامب المزيد من الضغوط التجارية على الشركاء الأوروبيين والآسيويين، سيدفعهم نحو إيجاد سبل أخرى تخفف عليهم تلك الضغوط، ومنها زيادة احتياطاتهم المالية من النقد الأجنبي، ومنها اليوان الصيني الذي أظهر قوة كبيرة حتى في أوج الحرب التجارية التي أشارت تقارير بحثية مختلفة إلى أنها ستؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل بطريقة أو بأخرى.

وكانت الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة على الصين، أحد المحركات الرئيسية للتغيير الجذري الذي تبنّته حكومة الصين من حيث الانفتاح التجاري وفتح الأبواب للمستثمرين الدوليين وتقديم التسهيلات المالية اللازمة لهم، إلى جانب أن ثباتها خلال الحرب التجارية أظهر للعالم أجمع بأن قوتها الاقتصادية نابعة من رسوخ قطاعاتها المختلفة، وخاصة الصناعة وقطاع الخدمات المالية وغيرها.

صعود كبير

 رغم التقلبات التي شهدها الاقتصاد الصيني منذ أواسط العقد الماضي بين صعود وهبوط، فقد كان لإضافة اليوان الصيني إلى سلة العملات الدولية الرئيسية بصندوق النقد الدولي في أكتوبر من العام 2016، دور مشهود في القوة التي اكتسبها خلال الفترة الماضية. وتوقعت «مورجان ستانلي» وقتئذ أن تتحسن قوة اليوان الصيني بشكل ملحوظ ليبلغ 6.6 مقابل الدولار الأمريكي بحلول نهاية العام 2021.

وقد بدأت بوادر ذلك الصعود الكبير في تداول العملة الصينية كعملة احتياطية رئيسية لأكثر من 70 بنكاً مركزياً حول العالم، منذ اندلاع الشرارة الأولى للحرب التجارية، والتي أشعلها ترامب بفرض رسوم وضرائب مليارية على الواردات الصينية، وبنسبة أقل التعاملات التجارية مع الشركاء الأوروبيين، إذ كان لذلك أثر غير مباشر على القوة التي اكتسبها اليوان الصيني، رغم أن النتائج الأولية التي ظهرت بعد بداية المعركة التجارية، كانت تشير إلى خسائر كبيرة للعملة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"