تنظيم أسواق العملات الرقمية والأصول المشفرة

00:02 صباحا
قراءة 14 دقيقة
بيتكوين
  • بقلم د. عبيد الزعابي

الاهتمام الكبير بهذه العملات غير الخاضعة للتنظيم، هو بهدف التداول من أجل الربح؛ حيث يدفع المضاربون الأسعار في بعض الأحيان إلى الارتفاع، هناك عوامل عدة تجعل من تلك العملات المشفرة أكثر جاذبية؛ منها: أن المؤيدين لها يرون بأن العملات المشفرة مثل البيتكوين هي عملة المستقبل، ويسارعون لشرائها الآن، بافتراض أنها سوف تصبح أكثر قيمة في المستقبل، كما يحب بعض المؤيدين حقيقة أن العملة المشفرة تمنع البنوك المركزية من إدارة المعروض النقدي؛ حيث تميل هذه البنوك بمرور الوقت إلى تقليل قيمة الأموال عن طريق التضخم، في حين يرى الداعمون الآخرون بأن التكنولوجيا المستخدمة في العملات المشفرة blockchain نظام معالجة وتسجيل لامركزي أكثر أماناً من أنظمة الدفع التقليدية، أيضاً يحب بعض المضاربين العملات المشفرة، لأن قيمتها ترتفع، ولا يهتمون كثيراً بقبول دور العملات على المدى الطويل كوسيلة لتحريك الأموال. 

العملة المشفرة هي شكل من أشكال الدفع التي يمكن تبديلها عبر الإنترنت بالسلع والخدمات، فالعملة المشفرة هي عملة رقمية يمكن استخدامها لشراء السلع والخدمات، والفرق بينها وبين العملة الورقية هو أنها تستخدم سجلات الحسابات الإلكترونية cryptography عبر الإنترنت مع تشفير قوي لتأمين المعاملات عبر الإنترنت. ولقد أصدرت العديد من الشركات عملاتها الخاصة، والتي في الأغلب تُسمى الرموز المميزة (Tokens)، ويمكن تداولها خصيصاً للسلعة أو الخدمة التي تقدمها الشركة. فكر في الأمر كما لو كنت تستخدم رموز ألعاب الورق أو رقائق الكازينو. ستحتاج إلى تبديل العملة الحقيقية بالعملة المشفرة، للوصول إلى السلعة أو الخدمة. وفي كل الأحوال يحتاج كل مستثمر إلى حساب مصرفي مرتبط بحساب التشفير، لإضافة الأموال وإجراء الدفع الرقمي؛ حيث يمكن فقط للمستخدمين المعتمدين بواسطة بروتوكول اعرف عميلك (KYC) من إجراء هذه المدفوعات، ويجب على المستثمرين ملاحظة أن من يديرون البورصات الرقمية يتقاضون بعض الرسوم عند إجراء التداول بالعملات الرقمية، وقد تختلف الرسوم المفروضة من بورصة رقمية إلى أخرى، ومن عملة إلى أخرى.

«بلوك تشين»

تعمل العملات المشفرة باستخدام تقنية تسمى البلوك تشين (Blockchain) وهي تقنية لامركزية منتشرة عبر العديد من أجهزة الكمبيوتر التي تدير تسجيل المعاملات. جزء من جاذبية هذه التكنولوجيا هو أمنها؛ حيث يتم استخراج العملات المشفرة رقمياً، وتعمل أجهزة الكمبيوتر المتطورة للغاية على حل مشاكل الرياضيات الحسابية المعقدة للغاية، علماً بأن تعدينها شاق ومكلف، وهامش الربح منه ضئيل.

في شبكات العملات المشفرة، يعد التعدين كالتحقق من صحة المعاملات، فالعمود الفقري لصناعة العملات الرقمية هي تقنية البلوك تشين، وهي عبارة عن سجل عالمي يربط بيانات الحسابات المجمعة للأشخاص مع بعضهم، وينطوي عمل البلوك تشين على التحقق من المعاملات والتي تمنع عمليات الاحتيال، وتكرار استخدام نفس العملة والتلاعب بها ( تزوير العملة) وهي مخاطر كامنة في تكنولوجيا العملات الرقمية، ترتكب من قبل أشخاص محترفين؛ وذلك نظراً لكون العملات الرقمية عملات تصدر بنظام غير مركزي، ولا توجد لها هيئة تنظيم مركزي على غرار المصرف المركزي تضبط عدم تزوير العملة، لهذا السبب يعتمد على تقنية البلوك تشين، للتحقق من عدم تقليد العملة الرقمية وأنها صادرة من مصدر معتمد وبالتالي منع تكرار تلك المعاملات.

يحصل المعدنون الناجحون على عملة مشفرة جديدة كمكافأة، وكذلك عمولة. تعمل المكافأة على تقليل رسوم المعاملات من خلال إنشاء حافز تكميلي، للإسهام في قوة معالجة الشبكة. في الآونة الأخيرة تم زيادة معدل إنتاج الوحدة المُجزئة أو ما يُسمى اصطلاحا بالهاش (Hash) وهي ناتج قيمة مشفرة عبارة عن أرقام وحروف متسلسلة لا تتشابه إطلاقاً مع البيانات الأصلية المدخلة، والتي تستخدم في التحقق من صحة المعاملة؛ وذلك يرجع إلى استخدام آلات متخصصة مثل FPGAs وASICs التي تقوم بتشغيل خوارزميات التجزئة المعقدة مثل SHA-256 و Scrypt. ومع تزايد عدد الأشخاص الذين يغامرون في عالم العملة الافتراضية، أصبح إنشاء علامات التجزئة لهذا التحقق من الصحة أكثر تعقيداً على مر السنين؛ حيث يتعين على المعدنين استثمار مبالغ كبيرة من المال في استخدام العديد من تلك الآلات عالية الأداء. 

إنشاء الآلات

وبالتالي، فإن قيمة العملة التي يتم الحصول عليها لإيجاد التجزئة، لا تبرر في كثير من الأحيان مقدار الأموال التي يتم إنفاقها على إنشاء الآلات، ومرافق التبريد، للتغلب على الحرارة التي تنتجها، والكهرباء اللازمة لتشغيلها. فعلى سبيل المثال اعتباراً من يوليو/ تموز 2019، قدر استهلاك البيتكوين للكهرباء بنحو 7 جيجاوات، أي 0.2% من الإجمالي العالمي، أو ما يعادله في سويسرا. واعتباراً من فبراير/ شباط 2018، أوقفت الحكومة الصينية تداول العملة الافتراضية، وحظرت عروض العملات الأولية وأغلقت التعدين. ومنذ ذلك الحين، انتقل بعض عمال المناجم من الصين إلى كندا؛ حيث تقوم إحدى الشركات بتشغيل مراكز بيانات لعمليات التعدين في مواقع حقول النفط والغاز الكندية، بسبب انخفاض أسعار الغاز. ووفقاً لتقرير فبراير/ شباط 2018 من مجلة Fortune، أصبحت آيسلندا ملاذًاً لعمال تعدين العملات المشفرة جزئياً، بسبب الكهرباء الرخيصة. في مارس/آذار 2018، فرضت مدينة بلاتسبرج في شمال ولاية نيويورك حظراً لمدة 18 شهراً على جميع عمليات تعدين العملات المشفرة في محاولة للمحافظة على الموارد الطبيعية. التركيز الآن للمنظمين على عمليات التعدين؛ حيث أشار المنظمون إلى لجوء المستثمرين لاستخدام الكهرباء المولدة من مصادر شديدة التلوث مثل الفحم لإنشاء بيتكوين وإيثيريوم.

عرض العملة الأولي هو وسيلة مثيرة للجدل لجمع الأموال لمشروع عملات رقمية جديد. يمكن استخدام إصدارات الأصول أو الرموز الرقمية ICO أو STO من قبل الشركات الناشئة، بقصد تجنب التنظيم المعقد أو المشاركة في حقوق الملكية. ومع ذلك، أشار منظمو الأوراق المالية في العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا، إلى أنه إذا كانت العملة المشفرة أو الرمز المميز «عقد استثمار»، فهي عبارة عن ورقة مالية، وتخضع لتنظيم الأوراق المالية.

فوفقاً ل PricewaterhouseCoopers استخدمت أربعة من أكبر 10 عروض عملات أولية مقترحة سويسرا كقاعدة لها؛ حيث يتم تسجيلها في كثير من الأحيان كمؤسسات غير ربحية. في حين ذكرت هيئة الرقابة المالية السويسرية FINMA أنها ستتخذ «نهجاً متوازناً» لمشاريع ICO وستسمح للمبتكرين المعتمدين بإطلاق مشاريعهم بطريقة تتماشى مع القوانين الوطنية التي تحمي المستثمرين ونزاهة النظام المالي. واستجابة لطلبات عديدة من ممثلي الصناعة، بدأت مجموعة عمل تشريعية للطروحات الأولية للعملات والأصول المشفرة في إصدار إرشادات قانونية منذ عام 2018، والتي تهدف إلى إزالة عدم اليقين عن عروض العملات المشفرة وإنشاء ممارسات تجارية مستدامة.

شعبية العملات 

كذلك أدى ارتفاع شعبية العملات المشفرة واعتمادها من قبل المؤسسات المالية إلى قيام بعض الحكومات بتقييم ما إذا كانت هناك حاجة إلى التنظيم لحماية المستخدمين؛ حيث عرّفت مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF) الخدمات المتعلقة بالعملات المشفرة على أنها: «مقدمو خدمات الأصول الافتراضية» وأوصت بأن يتم تنظيمها بنفس عمليات غسل الأموال (AML) ومعرفة متطلبات إجراءات اعرف العميل (KYC) كما يتم اعتمادها في المؤسسات مالية.

وفي 10 يونيو/ حزيران 2021، اقترحت لجنة بازل للرقابة المصرفية بأن البنوك التي لديها أصول مقيمة بعملة مشفرة يجب أن تخصص رأس المال، لتغطية جميع الخسائر المحتملة. على سبيل المثال، إذا كان البنك سيحتفظ بعملة البيتكوين بقيمة ملياري دولار، فالمطلوب تخصيص رأس مال كافٍ لتغطية ملياري دولار بالكامل، هذا معيار أكثر تطرفاً مما تلتزم به البنوك عادة عندما يتعلق الأمر بأصول أخرى، ومع ذلك، هذا اقتراح وليس لائحة.

إذا كنت ترغب في إدارة أعمال مشروع تداول العملات المشفرة، فيمكن أن تحقق لك كل معاملة ربحاً، فعندما تدخل في أعمال التداول فإن الشيء الأساسي والمهم هو البدء واكتساب ثقة المتداولين، وبمجرد أن يحصل موقع تبادل العملات المشفرة الخاص بك على متداولين كبار وزخم مناسب، فإن ربحك سوف يرتفع بغض النظر إذا كان تبادل العملات المشفرة مركزياً أو غير مركزي؛ حيث يعتمد اختيار المنطقة الجغرافية لبدء تبادل العملات المشفرة على مدى اعتراف السلطة التنظيمية بالنشاط؛ من حيث القوانين والاتجاهات المستقبلية، والتي تشمل الضرائب والمحاسبة وإدارة الأعمال؛ حيث يمكن أن تختلف شروط التنظيم بشكل كبير من منطقة لأخرى، ومن مجموعة واضحة من اللوائح إلى الحظر أو الافتقار التام للتنظيم. وعلى الرغم من أن الخيار الأخير قد يبدو جذاباً للوهلة الأولى، تذكر أنه عاجلاً أم آجلاً قد يتم ملء هذا الفراغ التشريعي. على سبيل المثال، تتميز مالطا وجبل طارق وسويسرا وسنغافورة بأنها دول جذابة للراغبين في فتح بورصة للعملات المشفرة. ومع ذلك، تميل التشريعات إلى التغيير؛ لذلك من الضروري مواكبة التطورات ذات الصلة.

دمج نظام الدفع 

ومن ناحية أخرى، ترتبط مسألة دمج نظام الدفع في البورصة أيضاً بالاختصاص التنظيمي؛ بحيث يجب أن تحتوي أي بورصة تشفير على مجموعة من الأدوات، لتمكين تبادل العملات المشفرة بالعملة الورقية، لتوليد الإيرادات؛ لذلك من الضروري أن تعرف مقدماً البنوك التي يمكنك التعاون معها، لتوفير سحب الأموال وإيداعها. ففي بعض السلطات التنظيمية، يمكن حظر عمليات تبادل العملات المشفرة المركزية، ولقد حدث ذلك بالفعل في الصين أو كوريا الجنوبية أو الهند أو روسيا؛ لذا من الأفضل أن تمتثل بورصة العملات والأصول المشفرة للقواعد التنظيمية لكل بلد، أما في التداولات اللامركزية فهي أقل عرضة للقيود التنظيمية وهي ميزة لتلك الأنواع، ولكن أكبر التحديات هي مدى القدرة على كسب ثقة العملاء وتوفير الحماية لاستثماراتهم.

وقد يختلف الوضع القانوني للعملات المشفرة بشكل كبير من بلد إلى آخر، ولا يزال غير محدد أو يتغير في العديد منها. أظهرت دراسة واحدة على الأقل أن التعميمات العامة حول استخدام البيتكوين في التمويل غير المشروع مبالغ فيها بشكل كبير، وأن البلوك تشين يعد أداة فاعلة لمكافحة الجريمة، وجمع المعلومات النافية للجهالة Due Diligence. وفي حين أن بعض البلدان سمحت صراحة باستخدامها والإتجار بها، فقد حظرها البعض الآخر أو تم تقيدها. ووفقاً لمكتبة الكونجرس، ينطبق «الحظر المطلق» على تداول أو استخدام العملات المشفرة في ثماني دول هي: الجزائر وبوليفيا ومصر والعراق والمغرب ونيبال وباكستان والإمارات العربية المتحدة. ينطبق «الحظر الضمني» في 15 دولة أخرى، بما في ذلك البحرين وبنجلاديش والصين وكولومبيا وجمهورية الدومينيكان وإندونيسيا وإيران والكويت وليسوتو وليتوانيا وماكاو وعُمان وقطر والمملكة العربية السعودية وتايوان. 

هيئات التنظيم 

وفي الولايات المتحدة وكندا، يقوم منظمو الأوراق المالية في الولايات والمقاطعات، بالتنسيق من خلال جمعية مديري الأوراق المالية في أمريكا الشمالية، بالتحقيق في «عمليات الاحتيال على عملة البيتكوين» وICO في 40 سلطة قضائية. وفي الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، تدرس لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) الخطوات التي يجب اتخاذها حيال تنظيم العملات المشفرة، ففي 8 يوليو/ تموز 2021، كتبت السيناتور إليزابيث وارن، وهي جزء من لجنة البنوك بمجلس الشيوخ، إلى رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، وطالبت بتقديم إجابات بشأن تنظيم العملة المشفرة بحلول 28 يوليو/ تموز 2021 بسبب الزيادة في استخدام تبادل العملات المشفرة، والخطر الذي يشكله هذا على المستهلكين. أما في الصين فإن البنك المركزي الصيني حظر التعامل مع عملات البيتكوين من قبل المؤسسات المالية في الصين في أوائل عام 2014، وفي 18 مايو/ أيار 2021، حظرت الصين المؤسسات المالية وشركات الدفع من أن تكون قادرة على تقديم خدمات متعلقة بمعاملات العملة المشفرة؛ حيث أدى هذا إلى انخفاض حاد في سعر العملات المشفرة، فعلى سبيل المثال، انخفض سعر البيتكوين بنسبة 31%، وانخفضت إيثريوم بنسبة 44%، وانخفضت «باينانس كوين» بنسبة 32%، وانخفضت عملة «دوجكوين» بنسبة 30%. 

وفي المملكة المتحدة فإنه اعتباراً من 10 يناير/ كانون الثاني 2021، يجب على جميع شركات العملات المشفرة، كالبورصات والمستشارين والمهنيين الذين لديهم وجود أو منتج في السوق أو يقدمون خدمات داخل سوق المملكة المتحدة، التسجيل لدى هيئة السلوك المالي، إضافة إلى ذلك، في 27 يونيو/ حزيران 2021، طلبت هيئة الرقابة المالية من «باينانس» Binance، أكبر بورصة عملات رقمية في العالم، وقف جميع الأنشطة المنظمة في المملكة المتحدة؛ حيث يعتقد بعض المحللين أن هذه علامة على ما سيأتي فيما يتعلق بالتنظيم الصارم لسوق العملات المشفرة في المملكة المتحدة.

أما في جنوب إفريقيا، التي شهدت عدداً كبيراً من عمليات الاحتيال المتعلقة بالعملة المشفرة في الأشهر الأخيرة، فقد تم وضع جدول زمني تنظيمي، والذي سينتج إطاراً تنظيمياً في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر. وحدثت أكبر عملية احتيال في إبريل/ نيسان 2021؛ حيث اختفى مؤسسا بورصة العملات المشفرة في إفريقيا، وهما: Raees Cajee وAmeer Cajee، بقيمة 3.8 مليار دولار من بيتكوين. إضافة إلى ذلك، اختفت Mirror Trading International بقيمة 170 مليون دولار من العملات المشفرة في يناير/ كانون الثاني 2021.

التجربة الكورية 

وفي كوريا الجنوبية في مارس/ آذار 2021، طبقت تشريعات جديدة، لتعزيز إشرافها على الأصول الرقمية. يتطلب هذا التشريع أن يتم تسجيل جميع مديري الأصول الرقمية ومقدمي الخدمات والتبادلات في سلطة التنظيم المالي الكورية من أجل العمل في كوريا الجنوبية. ويتطلب التسجيل في أن تكون جميع البورصات معتمدة من قبل نظام إدارة أمن المعلومات والتأكد من أن جميع العملاء لديهم حسابات بنكية بأسماء حقيقية، وأن الرئيس التنفيذي وأعضاء مجلس إدارة البورصات لم تتم إدانتهم بأي جرائم، وأن البورصة تحمل ما يكفي من مستويات التأمين على الودائع، لتغطية الخسائر الناتجة عن عمليات الاختراق.

وفي بعض الأسواق الناشئة في دول مثل تركيا فقد اتخذت موقفاً أكثر صرامة بشأن العملات المشفرة. ففي 16 إبريل/نيسان 2021؛ حيث حظر البنك المركزي التركي استخدام العملات المشفرة والأصول المشفرة لإجراء عمليات الشراء اعتباراً من 30 إبريل/ نيسان 2021، على أساس أن استخدام العملات المشفرة لمثل هذه المدفوعات، يمثل مخاطر معاملات كبيرة. وفي روسيا على الرغم من أن العملات المشفرة قانونية، فإنه من غير القانوني شراء سلع بأي عملة بخلاف الروبل الروسي، ومن المحتمل أن تمتد اللوائح والحظر التي تنطبق على البيتكوين إلى أنظمة العملات المشفرة المماثلة، أما في تايلاند، ففي أغسطس/ آب 2018، أعلن بنك تايلاند عن خططه لإنشاء عملة رقمية خاصة به، وهي العملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC). وفي السلفادور تم اتباع نهج متناقض للغاية مع البلدان الأخرى التي تحد من استخدام العملات المشفرة ففي 9 يونيو/ حزيران 2021، أعلنت السلفادور أنها ستتبنى عملة البيتكوين كعملة قانونية، والسلفادور هي أول دولة في العالم تفعل ذلك.

شركات العملات المشفرة

أما في دولة الإمارات العربية المتحدة فالملاحظ بأن هناك ارتفاعاً في عدد شركات العملات المشفرة، وتتطلع المزيد من الشركات إلى التكنولوجيا الجديدة، لتبنيها بعد توفير نظام بيئي متكامل لقطاع تداول العملات المشفرة والبلوك تشين والتكيف مع أحدث اتجاهات التكنولوجيا التي تدفع بالنمو الاقتصادي، ومن المتوقع أن تشهد هذه الأنشطة طفرة في السنوات القادمة في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.

وفقاً للتقارير المتخصصة فإن القيمة السوقية للعملات المشفرة في الإمارات العربية المتحدة لعام 2020 تقترب من مبلغ 265 مليار دولار أمريكي، ويمر سوق Cryptocurrency بمرحلة نمو مع ارتفاع معاملات بيتكوين في جميع أنحاء العالم، ودخول العملات المشفرة الجديدة إلى السوق؛ حيث أصبحت العملات المشفرة مثل بيتكوين ودوج كوين وإيثيريوم وتيثر وغيرها، تحظى بشعبية كبيرة في الإمارات العربية المتحدة. أيضاً، هناك منصات تداول للعملات المشفرة عبر الإنترنت تتيح تداول البيتكوين للأفراد. ومع تزايد شعبية مشاريع العملات المشفرة فإنها أصبحت أكثر تنوعاً، وتزداد الحاجة إلى تطوير سياسات لتنظيمها؛ حيث إن دولة الإمارات هي من بين أفضل الدول التي لديها البنية التحتية والتنظيمية لمشاريع العملات المشفرة في العالم. 

أطر تنظيمية

نظراً للتطور التكنولوجي، فقد أصدر المصرف المركزي، مؤخراً، في 30 سبتمبر/ أيلول 2020 إطاراً تنظيمياً معدلاً بشأن تنظيم مقدمي تسهيلات القيمة المخزنة («لوائح SVF») تهدف إلى إنشاء إطار تنظيمي للأصول المشفرة والسماح للشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة بإصدار أو توفير تلك الخدمات، وتسهيلات القيمة المخزنة عبارة عن تسهيلات يدفع العميل في مقابلها مبلغاً محدداً من المال أو قيمة مالية لأصول مشفرة أو أصول افتراضية، وأشياء أخرى في مقابل حفظ تلك القيمة أو ما يوازيها على تلك التسهيلات، فيما تُعرّف الأصول المشفرة على أنها التمثيل الرقمي للقيمة أو الحقوق التعاقدية المحمية بالتشفير والتي يمكن نقلها أو تخزينها أو تداولها إلكترونياً عبر نظام السجل التوزيع الإلكتروني DLS. 

ويتطلب تبادل الأصول المشفرة والعملات الرمزية فتح بورصة وترخيصها؛ لذلك بادرت هيئة الأوراق المالية والسلع في عام 2020 بإصدار إطار تنظيمي للشركات في مجال إصدار وتداول الأصول والرموز المشفرة وإدراجها وتداولها ووضع منظومة لترخيص مؤسسات السوق كالمصدرين والبورصات المشتغلة بها تم إصداره في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وفقاً لمسودة نظام إصدار وعرض الأصول المشفرة (ICARs) الصادرة عنها، فإنها صُممت لتنظيم الجوانب الرئيسية للتعامل في الأصول المشفرة، من الإصدار والترويج، إلى الترخيص وتسيير الأعمال للأمناء، والتبادلات، ومنصات «جمع الأموال». تم فيها استثناء الأصول المشفرة الصادرة عن الحكومات الاتحادية والمحلية والمؤسسات والهيئات الحكومية وأي عملات افتراضية أو وحدات القيمة المخزنة أو أي أدوات أخرى معتمدة أو مطلوب اعتمادها من قبل مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي. وكذلك الأوراق المالية المحتفظ بها في شكل غير مادي في نظام المقاصة أو التسوية، والتي لا يتم إصدارها كأصول تشفير، ولكن تدار باستخدام طريقة حفظ السجلات الإلكترونية التي يتحكم فيها المُصدر أو المسجل المعتمد (ما لم تستوف هذه الأوراق المالية أي معايير أخرى للتأهل كأصل مشفر قابل للتداول). 

دليل تنظيم الأنشطة 

كذلك فإن هيئة تنظيم الخدمات المالية لسوق أبوظبي العالمي ( ADGM -FSRA) قامت بنشر إرشادات حول العملات المشفرة. كما تراقب أعمال البلوك تشين، لضمان الشفافية، وكذلك منع غسل الأموال وتمويل الإرهاب. 

وهناك دليل تنظيم أنشطة الأصول المشفرة الخاص بها والأكثر تفصيلاً للعملات المشفرة في الدولة، فهي تعد إطاراً تنظيمياً شاملاً لأنشطة الأصول المشفرة، ولقد نشرت هيئة تنظيم الخدمات المالية لسوق أبوظبي العالمي أول دليل لها بشأن تنظيم أنشطة الأصول المشفرة في عام 2018، كما تم تعديلها عدة مرات، وفي 24 فبراير/ شباط 2020، أصدرت هيئة تنظيم الخدمات المالية لسوق أبوظبي العالمي إرشاداتها المحدثة بشأن تنظيم أنشطة الأصول الافتراضية في سوق أبوظبي العالمي؛ حيث تمت إعادة تسمية مصطلح «أصول التشفير» باسم «الأصول الافتراضية». كما قامت سلطة دبي للخدمات المالية في 29 مارس/ آذار 2021 بنشر إطارها الخاص بتنظيم الأصول والرموز المشفرة للتعليقات العامة في شكل ورقة استشارية (ورقة استشارية رقم 138). 

ووفقاً للرئيس التنفيذي لسلطة دبي للخدمات المالية، فإن ذلك يُعد اقتراح تنظيم الأصول المشفرة والذي يعد خطوة مهمة نحو إنشاء مسار واضح، ويمكن التنبؤ به للمصدرين الذين يتطلعون إلى زيادة رأس المال داخل مركز دبي المالي العالمي أو خارجه باستخدام تقنية دفتر الأستاذ الموزع (DLT) وتقنية مماثلة، أيضاً كشركات تتطلع إلى المشاركة في السوق من خلال إجراء أو تقديم خدمات مالية. إضافة إلى ذلك فقد اقترحت ورقة التشاور هذه أيضاً بنداً يتعلق بالعملات المشفرة، ينص على أنه يمكن إنشاء أصل تشفير وتخزينه ونقله باستخدام تطبيق DLT ونتوقع رؤية مثل هذا الإطار التنظيمي في المستقبل القريب.

مراكز للأصول المشفرة 

أيضاً أطلق مركز دبي للسلع المتعددة (DMCC) مركزه الجديد للعملات والأصول المشفرة في دبي، وهو نظام بيئي شامل للشركات العاملة في قطاعي تداول العملات المشفرة والبلوك تشين؛ حيث يهدف إلى أن يكون مركزاً لتطوير وتطبيق تقنيات البلوك تشين؛ إذ سيقدم المركز الدعم لجميع أنواع الشركات، لتطوير الحلول المتعلقة بتقنية البلوك تشين، وسيقدم المركز أيضاً برامج الحاضنات والمُسرّعات للشركات الناشئة التي تنوي الحصول على تمويل لمشاريعها بما يأهله بأن يكون مركزاً مركزياً لمبادرات البلوك تشين المستقبلية في دبي. أيضاً بادرت المنطقة الحرة بمطار دبي ( DAFZA)، بتوقيع اتفاقية مع هيئة الأوراق المالية والسلع؛ وذلك لدعم تداول الأصول المشفرة. كذلك يجب ألا نغفل أيضاً مبادرات مركز الشارقة لتكنولوجيا البحث والابتكار في تأسيس الحاضنات والمسرّعات للشركات الناشئة المتخصصة في تقنية البلوك تشين.

وأخيراً، ومما لا شك فيه سيؤدي جذب شركات الأعمال المتخصصة إلى نقل تقنية البلوك تشين إلى المنطقة، مما سيوفر الحلول التمويلية البديلة للشركات الكبيرة، وكذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة، وسوف يمكن السوق من النمو ليصبح مركزاً عالمياً كسوق للعملات المشفرة والأصول الرقمية؛ ويكون متوافقاً في ذلك مع رؤية الدولة؛ الهادفة إلى توفير نظام بيئي متكامل لقطاع تداول العملات المشفرة والأصول الرقمية وتقنية البلوك تشين، وتحقيق الريادة في أحدث اتجاهات التكنولوجيا التي تدفع عجلة النمو الاقتصادي المستدام. أيضاً فإنه من المتوقع أن تشهد أنشطة إصدار وتداول العملات 

والأصول الرقمية طفرة في السنوات القادمة في منطقة الشرق الأوسط، مما سوف يغيّر النظم البيئية لكثير من الصناعات، خاصة الخدمات المالية، وبارتفاع عدد الشركات الأجنبية المتخصصة في هذه المجال في المنطقة والتي سوف تسعى للحصول على الترخيص المطلوب من السلطات التنظيمية، وسوف تتطلع الشركات المحلية إلى تبني التكنولوجيا الجديدة والاستثمار في تطبيقاتها.

* مستشار متخصص في التمويل وأسواق الأوراق المالية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مستشار التمويل والأسواق المالية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"