أجواء بلا خروقات

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

يبدو أن الوقت قد حان لوقف الهجمات الإسرائيلية عبر الأجواء السورية. هذا على الأقل ما يستشف من التقارير المتواترة عن موقف روسي أكثر حزماً تجاه استمرار هذه الهجمات التي لطالما اعتبرتها موسكو انتهاكاً للسيادة السورية، لكنها آثرت التريث لاعتبارات روسية، منها ما يتعلق بالإبقاء على علاقات التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، ومنها ما يتعلق بالتوازنات الإقليمية والدولية.

هذه المرة تتحدث التقارير عن أن موسكو قررت إبلاغ الجانب الإسرائيلي مباشرة خلال زيارة وزير الخارجية يائير لابيد إلى موسكو للقاء نظيره الروسي سيرجي لافروف، بضرورة إنهاء هذه الهجمات، وإلا فإنها ستواجه بنفسها وبحزم هذه الخروقات للأجواء السورية، كما أنها ستبلغ واشنطن كذلك، بالعمل على وقف الهجمات الإسرائيلية على دمشق. وبالتأكيد ستشدد موسكو، بالمقابل، على ضمان عدم شن هجمات على إسرائيل، انطلاقاً من الجنوب السوري. وهو موقف جديد كلياً يختلف عما كان عليه الحال منذ التدخل الروسي في سوريا عام 2015.

وبالطبع ثمة أسباب كثيرة لتطور الموقف الروسي على هذا النحو، لكن لا بد من ملاحظة أنه سبق هذا الموقف تطور ميداني تمثل في إسقاط معظم الصواريخ الإسرائيلية في الهجمات الأخيرة، بحيث تقلصت الأضرار والخسائر الناجمة عن هذه الهجمات إلى حد كبير، ما يؤشر إلى وجود بصمات روسية وراء هذا التطور، فضلاً عن تحديث منظومات الدفاع الجوي السورية، وتطوير أداء الأطقم التي تشغلها من حيث الإعداد والتموضع والتدريب وربما الإشراف الروسي المباشر.

وفي كل الأحول، اتضح في الآونة الأخيرة عزم موسكو على تمكين الدولة السورية، ليس فقط لحماية أجوائها ووقف انتهاك سيادتها، وإنما استعادة المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق إلى حضن الدولة الأم، كما هو الحال في درعا جنوبي البلاد التي دخلها الجيش السوري أخيراً بعد سلسلة من الاتفاقات والخروقات انتهت بتسوية رعتها القوات الروسية، تقضي بخروج المسلحين الرافضين للاتفاق، وإعادة المناطق الخاضعة لسيطرتهم إلى حضن الدولة.

ودرعا بالذات تحظى بأولوية شبه مطلقة، نظراً لحساسيتها الجيوسياسية البالغة كبوابة لكسر العقوبات وتحرير الاقتصاد السوري، وإتاحة حركة الاستيراد والتصدير مع دول الجوار، وهي مسألة أصبحت في غاية الأهمية بعد الاستثناء الأمريكي للبنان والسماح باستيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا.

لكن لماذا تتحرك موسكو بمثل هذه القوة والحزم في اللحظة الراهنة؟ هناك بالتأكيد متغيرات إقليمية ودولية حدثت، أفرزت واقعاً جديداً، لعل عنوانه الأبرز هو «الانكفاء الأمريكي» بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وظهور مساحات كبيرة لإمكانية التوافق الدولي في مناطق معينة؛ إذ إن موسكو وكما هو معروف، ليست معنية بالصدام مع أمريكا لا في سوريا ولا في غيرها، كما أنها لم تكن ترغب في الإخلال بعلاقاتها مع إسرائيل التي كانت تسير ضمن حسابات وتوازنات دقيقة. لكن يبدو أن الأمور تغيرت الآن، وأصبحت موسكو أكثر قدرة على التعبير عن مواقفها واتخاذ خطوات انتظرت طويلاً للقيام بها، ويبدو أنه قد حان الوقت لاتخاذها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"