«شكرن» و«شكراً»

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين

«عفون» بدلاً من «عفواً» و«شكرن» بدلاً من «شكراً» و«أنتي» عوضاً عن «أنتِ» بكسر التاء، وغابت نقاط التاء المربوطة، لتصبح مجهولة الهوية ونسبها عنوة إلى الهاء، وتضاف حروف عوضاً عن التشكيل في آخر الكلمة، لتقع في غير محلها، كما هي الحال في مواساة الآخرين ممن فقدوا عزيزاً عليهم بكلمة «الله يرحموا» وغيرها الكثير من الكلمات التي بات استخدامها مألوفاً في وسائل التواصل الاجتماعي، لنجد أنفسنا نقرأ كلمات مرسومة بالحروف العربية إلا أنها للأسف فعلت ما يفعل التشويه بقواعدها وبلاغتها.
لم يعد الأمر مقتصراً على طريقة كتابة الكلمات في برامج المحادثة، والتي عادة تضم مجموعات محدودة من الأفراد، وإنما امتد الأمر إلى الفيديوهات والصور التي يتبرع صاحبها بكتابة تعليق على المضمون بحروف ناشزة، ويتم نشرها وتداولها في مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح وصولها إلى عدد كبير من مستخدميها بلحظات، يقرأها البعض متألماً والبعض الآخر، خاصة من الأطفال أو الذين ما زالوا قيد التأسيس يعتقدون أنها صحيحة.
ما يسبب الغصة أن هذه الكلمات المشوهة إملائياً بات استخدامها رائجاً وبشكل ملحوظ خاصة في مجموعات المحادثة التي تتيحها برامج وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح من يكتب الحروف بطريقة صحيحة وخالية من الأخطاء الإملائية، أشبه ما يكون بالكائن الغريب على المجموعة التي غالباً من تضم فئات عمرية مختلفة، بعضها من الأجيال التي ما زالت في طور التنشئة.
وما يثير القلق على لغتنا الأم من الذبول وتلاشي شكلها الصحيح كتابة ونطقاً، هو شيوع استخدام الحروف المضافة في غير محلها بين الأجيال الجديدة، وهو ما قد يؤدي مع مرور الوقت إلى تحولها من دخيلة إلى اعتيادية غير مستهجنة.
قد يرى البعض أن الأمر لا يحتمل القلق أو الخوف على اللغة، ولكن عند العودة إلى بعض كتب التاريخ نجد أن أسباب وضع أبو الأسود الدؤلي للنحو والتشكيل والنقاط، هو الخوف على اللغة من لحن غريب طرأ عليها، بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية، ودخول غير العرب في الإسلام، وما صاحبه نطق الكلمات بطريقة خاطئة، وهو ما نواجهه في هذه الفترة، ولكن بلسان عربي.
يبرر البعض أسباب كتابة بعض الكلمات بلحن نطقها، بغض النظر عن سلامة اللغة إلى سمات وسائل التكنولوجيا الحديثة، وما تتسم به من سرعة وعدم القدرة على استخدام التشكيل في لوحة الكتابة، ووصل البعض في أعذاره إلى أن الهدف هو فهم المعنى، وإن كانت الحروف في غير موضعها، واسترسل البعض في ذكر أسباب لا يمكن أخذها في الاعتبار، خاصة أن الأمر يتعلق بلغتنا التي هي جزء لا يتجزأ عن هويتنا.
قد تصبح لغتنا غريبة ليس فقط على ألسنتنا، وإنما أيضاً بأيدينا التي تكتب أو تطبع تلك الحروف، مشكلين من خلالها جملاً وعبارات مكتوبة بطريقة مأسوف على عراقتها وأصالتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"