نمو قطاع الطاقة يخفي ملامح الضعف الاقتصادي

22:11 مساء
الصورة
صحيفة الخليج

أولي هانسن *
واصل قطاع السلع ارتفاعه بالتوازي مع تسجيل مؤشر بلومبيرج للسلع الفورية، أعلى مستوياته في عشر سنوات خلال الأسبوع الماضي.

ومع ذلك، تبين ظهور تباين حاد بين عدة قطاعات، حيث كان الأداء أقل تناغماً، مقارنة بالمستويات المسجلة في النصف الأول من عام 2021. ولا يزال قطاع المعادن الثمينة الأسوأ من حيث الأداء حالياً وخلال معظم عام 2021، حيث واجه هذا القطاع صعوبات لإثبات مكانته وسط أسواق الأسهم المضطربة ومواجهة مخاوف التضخم.

ويشكل الدولار عاملاً رئيسياً جديداً يساعد في تحديد اتجاه ومسار قطاع السلع عموماً؛ إذ يواصل أنشطة تداوله بوتيرة قوية، ما يؤدي إلى تأثيرات معاكسة تطال السلع الأكثر حساسية للدولار، مثل المعادن الاستثمارية والمنتجات الزراعية الرئيسية. من جهة ثانية، جاءت مبيعات التجزئة الأمريكية أقوى من المتوقع، ما منح الدولار دفعة قوية أخرى، خاصة في ضوء تزايد الطلب على الملاذات الآمنة.

الغاز والطاقة

على غرار ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين، لا يمكننا تجاهل الارتفاع الهائل لأسعار الغاز والطاقة في السوق الأوروبية، والتي تأثرت بها بشكل متزايد القطاعات ذات الاستهلاك المكثف للطاقة، مثل الكيماويات والأسمدة، وصولاً إلى الإسمنت وحتى شركات إنتاج السكر. وفي ضوء ذلك، برزت هذا العام سلسلة مستجدات كانت داعمة بشكل مثالي للأسعار، ما أدى إلى وصول سعر الغاز إلى مستوى قياسي جديد، حيث وصل المركز الهولندي «تي تي إف» إلى مستوى قياسي شهري له بمقدار نقطة واحدة، ليبلغ 76.5 يورو/ميجاواط ساعي، أو ما يعادل 26.8 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانية، ما يمثل رقماً قياسياً يعادل 150 دولاراً لبرميل النفط.

ووصلت أسعار الحمل الأساسي للطاقة في ألمانيا للعام المقبل إلى 108 يورو/ ميجاواط ساعي، وتقترب هذه الأسعار من تخطي المعدل المتوسط لأجل 5 سنوات بمقدار 2.5 مرة خلال هذه الفترة من العام. وتجدر الإشارة إلى أن المستهلكين البريطانيين كانوا من أكثر المتضررين في هذا السياق، حيث شهدت الشبكة الكهربائية البريطانية انخفاضاً حاداً في إمدادات الطاقة الواردة من توربينات الرياح. وسجل المؤشر البريطاني المكافئ لعقود مؤشر «تي تي إف» الهولندي ما مقداره 260 يورو/ ميجاواط ساعي قبل أن يعاود الارتداد والانخفاض مجدداً.

وفي ما يلي بعض الأسباب الرئيسية وراء الزيادة الحالية:

حالة انعدام اليقين بشأن بدء تشغيل خط أنابيب «نورد ستريم 2»ز.

مشاكل إمدادات الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة بسبب الاضطرابات المرتبطة بإعصار «آيدا».

انخفاض إنتاج طاقة الرياح في أنحاء أوروبا، حيث كشفت شركة أورستد الدنماركية الرائدة في مجال الطاقة المتجددة عن تراجع إنتاج طاقة الرياح ربع السنوي بشكل استثنائي.

انخفاض إنتاج محطات الطاقة المائية النرويجية.

تسجيل أدنى مخزون من الغاز قبل ذروة الطلب الشتوي منذ أكثر من عشر سنوات.

ويتجه النفط الخام لتحقيق مكاسب للأسبوع الرابع على التوالي، على الرغم من موجة الركود الطويلة خلال أغسطس بسبب أزمة كوفيد 19، مع العلم بأن قطاعي النفط الخام والغاز الطبيعي يواصلان تأثرهما بالتداعيات والمستجدات الداعمة للأسعار لإعصار «آيدا».

الذهب والفضة

يواصل الذهب والفضة إظهار أداء مقلق، حيث يستقران عند انخفاض العوائد ويتراجعان في حال تسجيل ارتفاع جديد. ولم يكن هذا الأسبوع حالة استثنائية؛ إذ تراجع الذهب والفضة بشكل خاص بعد تسجيل قفزة أقوى من المتوقع في أرقام مبيعات التجزئة الأمريكية. وأدى ارتفاع العوائد إلى صعود الدولار وسط تكهنات بإمكانية خفض إجراءات التحفيز خلال فترة قريبة. من جهة ثانية، انخفض الذهب إلى ما دون مستوى الدعم الذي تحول إلى مقاومة عند 1780 دولاراً أمريكياً، بينما تراجعت الفضة إلى 22.60 دولار أمريكي. وفي هذا السياق، أفاد مدير بلاك روك لإدارة الصناديق، بلومبيرج، بقيامه بتخفيض الانكشاف على الذهب إلى مستوى الصفر تقريباً، وهي خطوة كررها مديرو الصناديق الآخرون في الأشهر الأخيرة، لأنهم راهنوا على التعافي الاقتصادي وعودة العوائد الحقيقية إلى مستوياتها الطبيعية.

ومن المتوقع في ضوء ذلك، أن تستبعد سوق المعادن الثمينة من قائمة أولويات الشراء لدى مديري الصناديق ما لم تثبت البيانات خلاف ذلك، ونتوقع أن يبقى الذهب مستقراً في الفترة الحالية ضمن نطاق 200 دولار بين 1700-1900 دولار. ومن المرجح خلال الأسبوع المقبل أن يتحول التركيز إلى اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، والذي سيتيح التأكد مما إذا كان الفيدرالي سيباشر تقليص برنامجه الضخم لشراء السندات. ونتوقع أن يسهم نطاق وسرعة التخفيض في تحديد الاتجاه على المدى القصير، علماً بأن تحسن التوقعات يستوجب نجاح الذهب في تخطي مستوى 1835 دولاراً مرة أخرى.

ارتفاع أسعار شحن الحاويات

شكل الارتفاع العالمي المستمر لأسعار شحن الحاويات تطوراً جديداً فرض تأثيره على التكلفة وإمكانية شحن المواد الخام حول العالم. وفي هذا السياق، أعلنت شركة ميرسك الدنماركية؛ إحدى أكبر ملاك سفن الحاويات في العالم، خلال الأسبوع الماضي عن تحديث بيانات أرباحها لعام 2021 للمرة الثالثة، بسبب الحالة الاستثنائية للسوق. كما ارتفعت أسعار الشحن بسبب حالات الازدحام والاختناقات المستمرة في سلاسل التوريد العالمية التي تكافح لتلبية الطلب على السلع والتغلب على المصاعب المرتبطة باليد العاملة نتيجة انتشار مرض كوفيد 19. ونستبعد أن تنعكس هذه القوى التضخمية في الوقت القريب، حيث من المتوقع حالياً أن تحافظ الأسعار على ارتفاعها حتى عام 2023.

* رئيس استراتيجية السلع لدى «ساكسو بنك»

عن الكاتب:
رئيس استراتيجية السلع لدى «ساكسو بنك»