«صندوق باندورا» السوداني

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

يبدو أن السودان استعار «صندوق باندورا» الذي إذا ما تم فتحه تخرج منه كل الشرور، وفق الميثولوجيا الإغريقية. ويبدو أن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي وقعت يوم 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، فتحت كل أبواب الخلافات الكامنة بين العسكريين والمدنيين الذين تولوا السلطة بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في إبريل (نيسان) 2019 الماضي.
 يقول رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك «كانت المحاولة الانقلابية هي الباب الذي دخلت منه الفتنة، وخرجت كل الخلافات والاتهامات المخبأة من كل الأطراف من مكمنها، وهكذا نوشك أن نضع مصير بلادنا وشعبنا وثورتنا في مهب الريح».
 الخلافات بين رفاق الطريق الذين فجروا الثورة ضد نظام البشير، من عسكريين ومدنيين (قوى الحرية والتغيير) ليست بنت ساعتها، هي برزت بعد أشهر قليلة على اقتلاع النظام السابق حول آليات الانتقال الديمقراطي وإصلاح الجيش وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، ونقل رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين، وهي خلافات كانت تعبّر عنها مواقف قيادات وأحزاب سياسية شاركت في الانتفاضة الشعبية ضد النظام السابق، ولم يتم حسمها، إلى أن جرت المحاولة الانقلابية الأخيرة، حيث زاد التوتر بعد تصريحات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إذ أكد البرهان أن القوات المسلحة هي «الوصية على أمن السودان ووحدته»، مشدداً على أنه «لا جهة تستطيع إبعادها عن المشهد في المرحلة الانتقالية»، في حين اتهم دقلو المدنيين «بالتسبب في تعدد المحاولات الانقلابية وممارسة الإقصاء ضدهم».
 رئيس الحكومة من جهته أشار إلى أن الصراع الحالي ليس بين العسكر والمدنيين، ولكنه «بين أولئك الذين يؤمنون بالانتقال نحو الديمقراطية والقيادة المدنية، ومن لا يؤمنون بذلك»، وأكد أنه ليس محايداً أو وسيطاً في هذا الصراع، وقال «موقفي بوضوح وصرامة، هو الانحياز الكامل للانتقال المدني الديمقراطي»، وهو بذلك، وإن حاول تحييد العسكر لكنه ضمناً ضد تأبيد سيطرة الجيش على السلطة، ويؤيد التطبيق السريع لخارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها بين «قوى الحرية والتغيير» والجيش، لإنهاء التصعيد والعودة إلى حكومة فاعلة.
 دول كثيرة، عربية وأجنبية دخلت على خط الأزمة في محاولة منها لرأب الصدع، والحؤول دون العودة إلى مربع الصراعات، أو إفساح المجال أمام جماعة «الإخوان» للتحرك، والقبض على السلطة مجدداً. 
 إن جوهر الأزمة يكمن في عدم القدرة على التوصل إلى إجماع على مشروع وطني بين قوى الحرية والتغيير، ما أدى حسب حمدوك إلى «أسوأ وأخطر أزمة تهدد البلاد بشر مستطير». 
هل هذا يعني أن الإصلاح بات عصياً جراء الخلاف بين العسكر والمدنيين، خصوصاً في ظل التظاهرات المعارضة المؤيدة للجانبين التي تنزل إلى الشوارع وباتت تهدد السلم الأهلي، أو تعزز الافتراق بين رفاق الثورة؟
 لا بد في نهاية المطاف من حوار بنّاء وصريح بين شركاء الثورة حماية لها وللشعب السوداني من شرور الصراعات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"