ألا يكفي لبنان ما يعانيه؟

00:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

تفرض المقدمة مطرحها بعدما قعد الإعلامي جورج قرداحي وزيراً فوق قمم من التلال المكدسة بالأزمات الكبرى المتناسلة التي لم تكن بعدُ في خاطر لبنان واللبنانيين البائسين وانتظاراتهم.

ما يحصل منذ أسبوعين مع أشقائنا وأحبائنا وأولادنا في الخليج، لن ولم يُضِف حبة خردل واحدة للبنان أو للبنانيين الذين يكدون ويرتابون هناك، ولا لأي حزب أو مجموعة أو طائفة في لبنان.. لا تُضيف تلك الأحوال، رضى لجائع، ولن تُعبد متراً في طريق حكومة مربكة ومشلولة في وطن مفكك، وهو فيها، وهي لم تجتمع حول طاولة مفيدة بعد... والصورة قاتمة للجميع.

هو الإعلام، يدفعنا جميعاً وزراء ومسؤولين وإعلاميين ومفكرين وكتاباً وأفراداً أن نستفيق على نِعَم الصمت والتفكير والعمل الجاد الرصين والتواضع، لا الركض والتنافس والسباق كيداً نحو أضواء الشاشات وساحات بقايا وطن يتفتت بشعوبه في العتمة.

تكفينا التحديات الداخلية التي عمت الأرجاء؟ تكفينا حوادث الانتحار والاغتصاب والسطو والسرقات والقتل وحوادث السير وكلها من ثوابت الجنون اليومي حولنا. ما أن بلغ سعر صفيحة البنزين نصف الحد الأدنى للأجور، حتى فرغت الساحات والشوارع من طوابير السيارات التي تطير أفخمها ولا تسير لتقتل المارة ولا مستشفيات وتأمينات ولا أدوات وأدوية.

تكفينا متابعة الإذاعات في العتمة، على الرغم من غلاء البطاريات الصغيرة الفاحش، فقط لتسقّط الأخبار السريعة التي تهز الكيانات لا الآذان وحسب؛ بل تمسك بأحلامهم بحثاً عن المغادرة إلى الأمكنة كلها خارج لبنان؟

يمكن لمن يمتهن الحبر مثلي أن يلتقط تدفقات كلام الناس في أزمنة ملتهبة لا تشبه أي زمن مضى غمرته الحروب، ليبني مقالاً عنوان موسوعة المآسي فيعاين تفاهة الحبر يقود حتماً إلى الصمت والجمود الأكثر تعبيراً من الكلام. الموت حق وهو في كل زاوية وبيت ولن يدركه سوى واهب الحياة. إنه السامي فوق فكر الطغيان العاجزين عن نسمة في تلك البقعة المسماة لبنان، إن الطاقة على تحمّل الواقع هنا تجاوزت كل تصور وتفكير.

ليس كل ما يحصل أمامنا من حوادث لا تحصى هي بيد القضاء والقدر بقدر ماهي بأيدي مجموعات فرّخت تواريخ من القتال فالإهمال والتخلف والتخيّ والفساد. أيرفع الحبر دعوى في وجه الدولة التي على الرغم من أنها تبدو مجهولة الإقامة اليوم، وليست خصماً شريفاً، لكنها غائبة كلياً جمهورية سادية في حقول شعبية «مازوشية» تفتك بأبنائها. الادعاءات على الدولة الميتة لا قيمة لها لأنك تدخل مدعياً وستخرج موقوفاً أو سجيناً أو ميتاً مكانها. لا أعرف بلداً في الدنيا يسمح بهذا الفلتان الذي وصل إلى أسفل الدركات وعلى مختلف المستويات المعيشية.

أين القضاء يتناول هذه الدولة بأذنيها كما إيطاليا ويسوقها إلى السجن؟ أين القضاء إن لم يكن هو البت في الدعاوى والبت جيداً والبت في الوقت المعقول؟ وأين القانون إن كان معظم المدعين يورّثون الدعاوى لأولادهم وأحفادهم بسبب بطء البت فيها؟ وما قيمة القوانين إن لم تكن لباس الدولة؟ وأين هي دولة المؤسسات والقوانين خارج أطر القوانين المستوردة الجامدة والممزقة والممدودة ويد السياسيين تعبث بعنق الوطن والمواطنين؟

أليس الاستقرار القضائي مولّد للاستقرار الأمني في بلد قزّم الديمقراطيات فلا يتطلع سوى إلى أوهام مستقبل المدمّر في تصوّرات الأجيال؟

تكاد تصل مجلدات القوانين اللبنانية المستوردة بالقياس إلى تجاوز ارتفاعات جبال لبنان، فكيف سيتمكن 500 قاض يعملون يومين في الأسبوع لتسعة أشهر، ويقضون معظم أوقاتهم بسترات النوم وخلف طاولات الطعام في بيوتهم للنظر في الدعاوى، وعندما تبدأ المحاكم عند منتصف النهار، يكون معظمهم في مكاتبهم المقفلة يتلقون الاتصالات التي تفوق التصور من معظم الطائفيين والسياسيين الذين يلعبون بدولة بلا سلطات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"