زيارة لم الشمل

00:41 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى دمشق، ليست زيارة عادية، ولها خصوصيتها وأهميتها وفرادتها، كونها أول زيارة لمسؤول إماراتي بهذا المستوى إلى سوريا، منذ تفجر الأزمة السورية الدامية، التي ألحقت الضرر الكبير بالشعب والدولة السورية، وخلفت مئات الآلاف من الضحايا والملايين من اللاجئين والنازحين، ناهيك عن تحول هذا البلد العربي إلى ساحة لتصفية الخلافات الدولية والإقليمية.

الحقيقة أن هذه الزيارة التي تعكس التحسن الذي طرأ على العلاقات بين البلدين الشقيقين في الآونة الأخيرة، والذي كانت بدايته مع إعادة الإمارات عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق في ديسمبر/ كانون الأول 2018، تشكل قفزة أخرى في الاتجاه الصحيح، وترجمة للسياسة الإماراتية الداعية إلى تغليب لغة الحوار، في الصراعات التي تشهدها المنطقة، والعمل بجد من أجل إعادة السلام والاستقرار إليها، باعتبار أن ذلك يمثل شرطاً لا بد من توفره إذا ما أريد لمنطقتنا العربية أن تأمن لمستقبلها، الذي بدا أحيانا قاتماً في ظل صراعات متنقلة، تحركها في أغلب الأحيان أجندات خارجية.

كما أنها تأتي استكمالاً لسلسلة خطوات واتصالات من شأنها أن تعيد سوريا إلى الحضن العربي، لا سيما مع الأهمية الجيوسياسية لسوريا على مستوى المنطقة كلها. ففي 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تلقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأسد، بحثا خلاله «علاقات البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات لما فيه مصالح البلدين المشتركة، بالإضافة إلى الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والقضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك»،

وعلى الرغم من أهمية الجوانب السياسية لهذه الزيارة، حيث يمكن اعتبارها قوة دفع ومحاولة لإحياء الحوار العربي المشترك، وإعادة الحياة للتضامن العربي، الذي غاب مع الأسف بعدما سمي «بالربيع العربي» وخطوة في اتجاه عودة سوريا إلى الجامعة العربية، في ظل ما تردد عن إمكانية حضور دمشق القمة العربية المقبلة في الجزائر، ورغم أهمية هذا الجانب السياسي إلا أن أحداً لا يمكنه إغفال الجانب الإقتصادي المهم جداً بالنسبة للبلدين وبشكل خاص سوريا، التي تأثرت بشكل كبير اقتصادياً جراء الحرب التي تدور رحاها منذ عقد من الزمن، ذلك أن الإمارات تعد من أهم الشركاء التجاريين لسوريا على المستوى العالمي وتحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً.

وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي خلال العام الماضي 2020 نحو 2.6 مليار درهم، خلال النصف الأول من العام الجاري 2021، فيما تجاوزت قيمة الاستثمار السوري المباشر في دولة الإمارات 1.5 مليار درهم بنهاية 2019، بحسب تصريحات عبدالله بن طوق المري وزير الاقتصاد الإماراتي خلال لقائه بمحمد سامر خليل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري على هامش معرض «إكسبو 2020 دبي».

زد على ذلك أن الإمارات تحتضن في ربوعها أكثر من مئتي ألف من المواطنين السوريين، حيث شكلت الإمارات بعد 2011 ملاذاً ملائماً للكثير من السوريين خاصة وأنها تتميّز بالتسهيلات المصرفيّة والضريبيّة، والبنى التحتيّة المتقدِّمة، وفرص العمل العديدة، ناهيك الإمكانيات اللوجستية المناسبة للتواصل والتعامل مع سوريا، ومن شأن هذا أن يخفف العبء عن كاهل الشعب السوري في أزمته الاقتصادية الراهنة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أيضاً الدعم الذي قدمته الإمارات للاجئين السوريين خلال العامين الماضيين والذي بلغ أكثر من 700 مليون دولار.

أخيراً وليس آخراً إن المأمول بالنسبة لكل مخلص للقضايا العربية، هو أن تشكل هذه الزيارة حجر الأساس لمعالجة ما أصاب الجسد العربي من جراح، وترميم الأوضاع العربية العربية لما فيه مصلحة العرب جميعاً وبشكل خاص سوريا التي تستعد لمرحلة إعادة الإعمار بعد هذا العقد الدامي من تاريخها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"