تضخم الستينات المعتدل أم ركود السبعينات التضخمي؟

20:54 مساء
قراءة 4 دقائق
جيفري فرانكل

جيفري فرانكل*

على النقيض من فترة السبعينات المصحوبة بالركود التضخمي، كان انتعاش الولايات المتحدة منذ الركود الذي سببه وباء كورونا قوياً، سواء حكمنا على ذلك من خلال الناتج المحلي الإجمالي أم مؤشرات سوق العمل. وعليه، تستذكر الظروف الاقتصادية الحالية حقبة الستينات، وهي فترة أخرى من النمو السريع والتضخم المرتفع باعتدال.

فهل تعاني الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى اليوم ركوداً تضخمياً؟ وهو المزيج المؤسف للتضخم المرتفع والنمو المنخفض في الإنتاج والعمالة الذي اتسمت به حقبة منتصف السبعينات. على الأقل في حالة أمريكا، الجواب هو لا، فما تواجهه الولايات المتحدة الآن هو تضخم معتدل دون جانب الركود.

ارتفع مؤشر تضخم أسعار المستهلكين الرئيسي في الولايات المتحدة بشكل غير متوقع إلى 6.2% في العام حتى نهاية أكتوبر / تشرين الأول، وهو أعلى معدل منذ عام 1991. ولا يزال قلة يتوقعون ارتداداً مبكراً للتضخم بنسبة 2%، وهو هدف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على المدى الطويل. لكنها ليست الوحيدة، فقد وصل معدل التضخم في المملكة المتحدة إلى أعلى مستوياته في عشر سنوات 4.2%، والاتحاد الأوروبي 4.4%، على الرغم من أنه لا يزال منخفضاً في اليابان.

ومع ذلك، كما أسلفنا، فعلى عكس فترة السبعينات المصحوبة بالركود التضخمي، كان انتعاش الولايات المتحدة منذ الركود الناجم عن الوباء في عام 2020 قوياً بحسب مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي وسوق العمل. في الوقت الذي واجه فيه الطلب المتزايد على السلع قيود العرض، بما في ذلك اختناقات الموانئ ونقص الرقائق، ما أدى إلى تضخم الأسعار. فضلاً عن تضخم الأجور جراء تأثر عروض العمالة بالضوابط المستمرة ل «كوفيد».

ومن باب المقارنة، انخفض معدل البطالة في الولايات المتحدة من 14.8% في إبريل / نيسان 2020 إلى 4.6% في أكتوبر / تشرين الأول 2021. في حين بلغت النسبة في شهر مايو/ أيار من عام 1975 الكارثي 9%. وتدل المؤشرات الحالية الأخرى إلى انضباط سوق العمل أكثر في هذه الفترة، إذ إن نسبة الوظائف الشاغرة إلى العمال العاطلين عن العمل هي الأعلى على الإطلاق، كما هي الحال بالنسبة لمعدل الإقلاع عن العمل، إضافة إلى نمو الحد الأدنى للأجور أكثر من ذي قبل.

وتشير الدلائل أيضاً إلى أن مشكلة الاقتصاد الأمريكي لا تكمن في نقص الطلب، الذي يمكن للتوسع النقدي والمالي معالجته، وإنما عدم كفاية العرض، وهو ما لم تتم معالجته بعد. وعندما يتجاوز الطلب العرض، ينتج عجز تجاري وتضخم ونحن نشهد كليهما اليوم.

إلى حد ما، تبقى هذه المشاكل معقولة، ومن الواضح أنه من الأفضل أن يتعافى كل من العرض والطلب بالتوازي. لكن قياساً إلى مناطق أخرى، يعتبر الاقتصاد الأمريكي متقدماً كثيراً عما كان يظنه الكثيرون قبل عام، والناتج المحلي الإجمالي الآن أصبح أعلى من مستوى ما قبل الجائحة. كما أن الولايات المتحدة تتفوق على دول مثل المملكة المتحدة المتأثرة بخروجها من الاتحاد الأوروبي.

لا يمكن للسياسة النقدية المفرطة فعل الكثير لتخفيف القيود التي يمكن أن تختفي من تلقاء نفسها العام المقبل، وبتنا نشهد مقدمات ذلك في الموانئ، وإعادة تشكيل سلاسل التوريد، وتوافق العمال بنجاح مع وظائفهم التي يعملون بها، بالإضافة إلى استجابة العرض للأسعار المرتفعة لقطاعات معينة تواجه حجم طلبات حاداً.

فبدلاً من المقارنة مع السبعينات، ربما يكون من الأدق تشبيه الحالة الراهنة بأواخر الستينات، حيث شهدت تلك الفترة نمواً سريعاً وأسواق عمل ضيقة، وبلغ حينها مؤشر تضخم المستهلك 5.5% تحديداً في عام 1969.

يخشى البعض من أن التضخم المعتدل الذي نشهده اليوم يُبنى في النهاية على التوقعات، ويقودنا إلى دوامة الأسعار والأجور، ويشبه بذلك التضخم المرتفع والمستمر في السبعينات.

بدأت تلك الأخطاء بزيادة الإنفاق الحكومي لتمويل حرب فيتنام، بدون عائدات ضريبية لدفع الثمن، واستمروا بذلك عام 1971، عندما استجاب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي آرثر بيرنز والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون للتضخم المتزايد بمزيج من التحفيز النقدي السريع والأجور الزهيدة وضوابط الأسعار. وأدى غليان الاقتصاد المحموم بعد بضع سنوات إلى ارتفاع معدلات التضخم أكثر من 12%.

صحيح أن توقعات الفيدرالي اليوم للتضخم جافت الواقع، لكن يمكن القول إن أفعاله لم تُخطئ الهدف.

لا يستطيع الرئيس جو بايدن فعل الكثير نسبياً لوقف ارتفاع التضخم. فقد تدخل بالفعل للمساعدة في فتح الموانئ وغيرها من لوجستيات سلاسل التوريد، كما أن زيادة معدلات التطعيم ضد فيروس كورونا ستعزز معروض العمالة أكثر، ويبقي الأطفال في مدارسهم، وعليه من الصعب معرفة ما الذي يمكن أن يفعله بايدن أكثر.

على بايدن إقناع الصين والدول المصدّرة الأخرى بضرورة خفض بعض الحواجز التجارية ضد الولايات المتحدة وتحرير البعض الآخر في مقابل إزالة التعريفات الأمريكية، ما ينعكس إيجاباً على الأسعار فتنخفض بسرعة.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، وباحث مشارك في المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية. (بروجيكت سنديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"