مستقبل مشرق لاقتصاديات الشرق الأوسط مع تنامي التمويل الإسلامي

21:17 مساء
قراءة 4 دقائق
*سمية حسوسي
**كريستوف لالاندر

سمية حسوسي *

كريستوف لالاندر **

ما زال قطاع التجارة والتمويل في الشرق الأوسط على رأس أولويات الحوار بين الشركات والحكومات العالمية، حيث جمع نخبة من أفضل المستثمرين والمموّلين وصناع السياسات وقادة الفكر الصناعي، وألمعهم، في موقع «إكسبو 2020 دبي»، باعتباره الحدث الأبرز في العالم وتاريخ المنطقة، والذي استضاف مؤخراً ضمن فعالياته مؤتمر مستقبل التمويل الذي عقده مصرف الإمارات المركزي.

وفي ظل الجهود المبذولة على المستوى العالمي من أجل الانتقال إلى مرحلة الازدهار الاقتصادي، وترسيخ خطط التنمية المستدامة، وتحديد الملامح الرئيسية لمستقبل التمويل، يمتلك الشرق الأوسط ورقة رابحة تضعه على أهبة الاستعداد للنجاح على الصعيدين الإقليمي والعالمي. وتكتسب هذه الورقة الرابحة أهميتها من النمو المتسارع الذي يشهده قطاع التمويل الإسلامي وتطوّره المستمر.

التمويل الإسلامي هو المفتاح نحو إيجاد خطط تحويلية تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة.

شهدنا في السنوات الأخيرة ارتفاعاً في الطلب على أصول التمويل الإسلامي التي باتت من الأدوات المعتمدة في الأسواق؛ الأمر الذي سيلعب دوراً مهماً في تزويد المستثمرين ببوابة دخول مألوفة إلى أسواق الاستثمار المستدام، إضافة إلى قدر أكبر من السيولة وفرص الاستثمار العالمية على نطاق أوسع.

وبما أن التمويل الإسلامي يتقاسم العديد من القيم المشتركة مع نماذج الاستثمار في مجالات الحوكمة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات، بما يتفق مع العديد من المبادئ الاجتماعية والأخلاقية المماثلة، فإن الفرصة متاحة أمام المستثمرين في الشرق الأوسط للاستفادة من التمويل الإسلامي كوسيلة فعالة لبناء محفظة استثمارية متوافقة، إلى حد أكبر، مع معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وتتسم بالمسؤولية الاجتماعية؛ أي أنها تراعي الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

فعلى سبيل المثال، ونتيجة الطلب المتزايد على حلول الاستثمار المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في الشرق الأوسط، وأهمية تعزيز الاقتصاد الدائري، تعدّ الصكوك أداة مثالية لتمويل المشاريع في مجال الاقتصاد المتجدد وتغير المناخ. ويستخدم رأسمال الصكوك الخضراء في تمويل الأصول أو المشاريع التي تعالج القضايا البيئية، ويحصل المستثمرون على أرباح مستمدة من العائدات الخضراء. ماذا يعني كل هذا؟ بشكل أساسي، سيتيح قطاع التمويل الإسلامي والأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، الفرصة أمام المستثمرين لزيادة القدرة على الوصول إلى استراتيجيات الاستثمار التي تتيح تكوين ثروات أكثر استدامة على المدى الطويل. ومن شأن هذه الاستراتيجيات أيضاً، أن تحقق المطالب المتزايدة بالالتزام بمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، كما أنها وبشكل خاص تلعب دوراً إيجابياً في تعزيز الاستدامة في مجتمعاتنا.

في النصف الأول من عام 2021، سجلت مبيعات الصكوك ارتفاعاً قياسياً في ظل استمرار تفشي الجائحة وتأثيرها في مسار النشاط الاقتصادي والتقلبات المستمرة في أسعار الفائدة على السندات، مما دفع بالمستثمرين إلى البحث عن فرص استثمارية تتسم بالأمان والاستقرار في أسواق رأس المال.

وقد أظهرت بيانات «بلومبيرج» أن المؤسسات العالمية أصدرت أكثر من 23 مليار دولار من السندات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في أبريل 2021، وهي أعلى قيمة مسجلة على الإطلاق. ويبدو أن السرعة في تبني التمويل الإسلامي مهيأة للتزايد أكثر فأكثر مع دخولنا الربع الرابع من عام 2021 وما يليه.

إن نجاح برامج التطعيم في المنطقة، إلى جانب استقرار أسعار النفط، هي من العوامل الأساسية التي ستسهم في تعزيز إصدارات الصكوك. كما أن استمرار الحكومات والبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم في تنفيذ تدابير وخطط التحفيز الاقتصادي والتيسير النقدي، من شأنه أن يزيد من فرص اتساع نطاق التمويل الإسلامي في مرحلة ما بعد الجائحة. وتجدر الإشارة إلى أنه في وقت سابق من هذا العام، توقّعت وكالة «ستاندرد أند بورز» في تقريرها عن التصنيفات الصادر في يوليو ارتفاع إصدار الصكوك العالمية بنسبة 11% على أساس سنوي، لتصل إلى 155 مليار دولار، مقارنة بإجمالي 139.8 مليار دولار في عام 2020.

ومع توافر ظروف الاقتصاد الكلي المناسبة، وتزايد الطلب الاستهلاكي على الاستثمارات الأخلاقية التي تركز على الاستدامة، فمن المتوقع استمرار تحسن الزخم في مجال التمويل الإسلامي، وتعزيز قدرته على استقطاب فرص كبيرة للاستثمارات الرأسمالية، إضافة إلى تعزيز مستويات السيولة في اقتصادات الشرق الأوسط.

ويبقى اليوم أمام جميع المشاركين في الصناعة، وجميع أصحاب المصلحة الرئيسيين، التعاون وتهيئة الفرص المناسبة للمستثمرين للاستفادة من إمكانات التمويل الإسلامي والزخم الذي يقدمه.

ويتيح التقارب بين الابتكار في مجال التكنولوجيا، وتكامل الخدمات المالية السائدة، فرصاً مهمة للتمويل الإسلامي، سواء في الشرق الأوسط أو على النطاق العالمي. ولقد أسهمت التحولات في مجال التكنولوجيا في زيادة سرعة وصول المستهلكين إلى الخدمات المالية، حيث أصبح من السهل تحويل الأموال ومعالجة المدفوعات، وإجراء المعاملات والخدمات المصرفية الأساسية، وإدارة الثروات بطريقة سهلة ومريحة. وقد واكب التمويل الإسلامي هذا المسار.

نتوقع خلال السنوات المقبلة أن تزداد فرص الاستثمار في الاستدامة الاجتماعية والبيئية، سواء من خلال العمل على تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معه، أو من خلال تعزيز الاستثمار في مجال رأس المال الطبيعي. كما نتوقع أن تشهد الصناديق التي تركز على الأصول الطبيعية ارتفاعاً كبيراً.

وعلاوة على ذلك، نتوقع زيادة الطلب على نماذج التمويل الإسلامي الأكثر حداثة وتخصيصاً، حيث إن الفوائد المترتبة على الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية تبدو أكثر واقعية بالنسبة للمستثمرين الذين يسعون إلى بناء محفظة استثمارية أكثر تركيزاً على معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. وبالنسبة للكثيرين، تستمر الاستدامة في التركيز على البيئة، باعتبارها عنصراً في غاية الأهمية. ولكن مع تزايد عدد المستثمرين الذين يفكرون بشكل أوثق في التأثير المجتمعي لقراراتهم الاستثمارية على نطاق عالمي، فإن الصلة بين التمويل الإسلامي والتمويل المستدام ستترسخ، لتأتي بثمار قيمة. إن النتائج المتحققة من ذلك هي في غاية الأهمية. ففي ظل استمرار تفعيل الخطط التي تم تبنّيها في منطقة الشرق الأوسط من أجل تحقيق تنمية اقتصادية أكثر استدامة، سيظهر التمويل الإسلامي كحافز أساسي في تطوير خطط المنطقة على المدى الطويل.

** مدير تنفيذي أول في لومبارد أودييه، فرع سوق أبوظبي العالمي.

* نائب رئيس أول، مجموعة لومبارد أودييه

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"