عادي

مفاوضات فيينا النووية في عنق الزجاجة

23:20 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - المحرر السياسي:

بينما لا يمكن الفصل بين مكونات المشهد السياسي العالمي من وجهة نظر الدبلوماسية الأمريكية، على الأقل، يخيل لكثير من المراقبين أن مسارعة واشنطن إلى إعادة رفع بعض العقوبات عن إيران بحجة تسهيل التوصل إلى اتفاق في فيينا، على أنها ناتجة عن ضغوط المشهد المتأزم في أكثر من ساحة يحاول الأمريكيون إدارة أزماتها على طريقتهم الخاصة، ما أمكن.

لا تزال صورة الرئيس الأمريكي الأسبق، دونالد ترامب، وهو يوقع قرار انسحاب الولايات المتحدة انفرادياً وسط جو كرنفالي لافت، حاضرة في أذهان العالم الذي يتابع اليوم موقف إدارة بادين وهي تعلن إعادة رفع العقوبات التي فرضها سلفه على إيران في خطوة تبشر بخروج مفاوضات فيينا من عنق الزجاجة.

وتعتري المفاوضات التي تشارك فيها الدول العظمى، سجالات بين الأطراف الحريصة على إنجاز العودة إلى الاتفاق وتلك التي تراهن على نتائج تخدم مصالحها الاستراتيجية، ومنها الولايات المتحدة. أما إيران التي هي الطرف الرئيسي المعني بما تسفر عنه المفاوضات فتراهن على عامل الزمن في الوصول إلى ما تراه منسجماً مع الأهداف الأساسية لتطوير برنامجها النووي، خاصة توسعة وترسيخ نفوذها على مستوى المنطقة.

وبعد وصول المفاوضات إلى طريق مسدود نهاية الشهر الماضي، قررت واشنطن إعادة إعفاء إيران من العقوبات، وهو القرار الذي سوف يسمح للدول بالتعاون مع طهران في المشاريع النووية المدنية، مبررة الخطوة بأنها تهدف إلى تسهيل دور شركاء أمريكا في إجراء مناقشات أكثر تفصيلاً حول بعض النقاط التي يمكن أن تنقذ الاتفاق في آخر لحظة.

وأعادت إدارة بايدن الذي أبدى استعداده لضمّ بلاده مجدداً للاتفاق، العمل بإعفاءات كانت تحمي الدول والشركات الأجنبيّة المشاركة في مشاريع نوويّة إيرانية غير عسكريّة من خطر عقوبات أمريكية، وهي اتفاقات ألغيت عام 2020 في عهد ترامب ضمن سياسة «الضغوط القصوى» التي اعتمدها حيال طهران بعد انسحابه من الاتفاق المبرم بينها وبين القوى الكبرى.

بانتظار القرارات الحاسمة

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية: «لا شك في أن المناقشات الفنية التي سهل الإعفاء إجراءها، كانت ضرورية في الأسابيع الأخيرة من المحادثات، والإعفاء نفسه سيكون ضرورياً لضمان امتثال إيران السريع لالتزاماتها النووية».

ومع ذلك، تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي وصل فيه المسؤولون المشاركون في المحادثات الجارية في فيينا إلى قناعات بضرورة اتخاذ قرارات سياسية حاسمة بعد توقف المحادثات منذ 28 يناير/ كانون الثاني الماضي.

وسيسمح الإعفاء للشركات والدول بمواصلة العمل في المشاريع النووية المدنية في محطة بوشهر الإيرانية للطاقة النووية ومفاعل أراك للمياه الثقيلة ومفاعل طهران للأبحاث.

وكانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب أصدرت إعفاء بعد انسحابها من الاتفاق في 2018، قائلة إنه ساعد في «الحفاظ على الرقابة على البرنامج النووي المدني الإيراني والحد من مخاطر انتشار الأسلحة النووية». وتطالب طهران بإلغاء كل العقوبات، أو معظمها قبل العودة إلى الامتثال للاتفاق.

وينظر المراقبون إلى إصدار إعفاءات للسماح بالتعاون النووي المدني مع إيران في الوقت الذي تنتهك فيه طهران الاتفاق النووي، على أنه خطأ استراتيجي، واعتبروا الإعفاء أوضح إشارة حتى الآن على احتمال عودة الحياة إلى الاتفاق النووي من جديد.

طهران: قرارات غير كافية

إلا أن إيران ردت على القرار الأمريكي بالقول إن الإجراءات الأمريكية بشأن رفع العقوبات المفروضة عليها لا تزال غير كافية. وبعد ساعات من الإعلان الأمريكي، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان «لقد أبلغنا الجانب الأمريكي عن طريق بعض من ينقلون الرسائل هذه الأيام، أن عليهم إظهار حسن النية بالفعل. وحسن النية يعني ضرورة حصول أمر ملموس».

ورأى المبعوث الروسي إلى فيينا، ميخائيل أوليانوف، أن من ضمن ما يؤشر إليه القرار الأمريكي، هو دخول مباحثات فيينا «المرحلة النهائية».

وكتب على صفحته على تويتر «القرار الأمريكي بإعادة العمل ببعض الإعفاءات النووية هو خطوة في الاتجاه الصحيح، سوف تساعد في تسريع إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وهو الاسم الرسمي للاتفاق، والعودة المتبادلة للولايات المتحدة وإيران للالتزام باتفاق 2015».

وأكد المعنيون بالمفاوضات تحقيق تقدم في الآونة الأخيرة، مع استمرار وجود تباينات في ملفات عدة، أبرزها بالنسبة لإيران رفع العقوبات والضمانات. في المقابل، تشدد الدول الغربية على ضرورة تسريع إيقاع المباحثات، خصوصاً في ظل زيادة طهران وتيرة أنشطتها النووية منذ أشهر.

وتتوقع إدارة بايدن أن الصفقة النووية المستعادة ستجعل إيران قادرة على تكديس ما يكفي من الوقود النووي لصنع قنبلة في أقل من عام، وهو إطار زمني أقصر من الإطار الذي دعم اتفاق 2015. وقال المسؤولون الأمريكيون إن الإدارة خلصت أواخر العام الماضي إلى أن البرنامج النووي الإيراني قد تقدم كثيراً على طريق إعادة إنشاء ما يُسمى بفترة الاختراق لاتفاقية 2015 التي تبلغ 12 شهراً تقريباً.

المرحلة الأخيرة

وقالت الولايات المتحدة هذا الأسبوع إن المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي مع إيران «وصلت المرحلة الأخيرة». وحثت إدارة بايدن طهران على التراجع عن تقدمها النووي الذي أنجزته خلال الفترة الأخيرة، واتخاذ «قرارات سياسية صارمة» من شأنها أن تسمح لكلا البلدين بالعودة إلى اتفاق 2015.

وتحدث كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كاني، في الأول من فبراير/ شباط في جلسة للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، وهي اللجنة القوية في البرلمان، حيث أجاب عن أسئلة حول وضع المفاوضات النووية في فيينا. وبحسب المتحدث باسم اللجنة، محمود عباس زاده مشكيني، قال باقري: «حتى الآن لم تكن هناك مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة».

ووصفت إيران الوضع في فيينا بأنه «يتحرك للأمام»، و«إيجابي»، لكنها قالت إن الكرة في ملعب الولايات المتحدة، في إشارة إلى مطالبها الأساسية المتعلقة برفع كامل العقوبات.

وجاء تقييم اللجنة قبل أيام من عودة باقري كاني ورؤساء الوفود الأخرى إلى فيينا، ما يعني أن إيران توضح أن إحراز مزيد من التقدم في فيينا أو اختتام المحادثات يعتمد على الجدية والمرونة من جانب الولايات المتحدة.

وتقول إيران إنها ليست في عجلة من أمرها لعقد اتفاق، رغم أنها تفضل التوصل إلى اتفاق جيد في أسرع وقت ممكن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"