الإعلام يستطيع إذا أراد

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

ليس ريان وحده الذي يستحق أن نتوقف عند أزمته ونتأملها، ونستخرج منها الدروس المستفادة، ونضعها نصب أعيننا لأجل مستقبل أفضل لأطفالنا، ففي أمتنا أطفال كثيرون عاشوا أزمات، لكن ريان وحده هو الذي جمعنا ووحدنا، وجعل أنظارنا جميعاً تتجه نحو المملكة المغربية، لنتابع جهود إنقاذه لحظة بلحظة، وجعل العرب يرفعون بشكل موحد أكف التضرع سائلين المولى، عز وجل، أن يخرجه لوالديه وللحياة سالماً. 

 خرج ريان.. تحقق الأمل لكن الفرحة لم تتحقق، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الصغير ابن الخمس سنوات علّمنا دروساً عدة، وكأن ما حدث معه كان رسالة لمن يريد أن يتعظ، رسالة لمن يريد أن يخرج من غيبوبته، رسالة بأننا أمة معدنها نفيس، وجوهرها أصيل شفاف، صوتها ومشاعرها وأحاسيسها ولسانها واحد وقت الأزمات، دعوات الناس متشابهة بصرف النظر عن انتماءاتهم القُطرية، وثقتهم بالله لا تهتز بصرف النظر عن انتماءاتهم الطائفية والمذهبية. 

 عندما تتوافر هذه الصفات في أمة، فهي قادرة على أن تكون واحدة كما وصفها رب العالمين في كتابه الكريم، وتستطيع أن تقف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص في مواجهة المتربصين بها، والمحاولين النيل منها، وتستطيع أن تبهر العالم بإنجازاتها، وتتقدم الصفوف بعلمها، خصوصاً وأنها سبّاقة في ذلك، بما فعله الأجداد وبنى عليه الغرب حضارته، ولعل ما يعيقنا عن تحقيق كل ذلك أننا تركنا بيننا مساحات للمغالاة، وتعايشنا مع متطرفين منا، واستوعبنا دعاة عنف وصنّاع إرهاب، وبالتالي فلن نكون أبداً وسطيين إلا إذا نبذنا عناصر التطرف والمغالاة ودعاة العنف وصنّاع الإرهاب، ولكي نفعل ذلك لا ينبغي أن نترك بيننا مكاناً لأي منهم. 

 الدرس الثاني المستفاد من تجربة ريان، أنها تفرض علينا الانتباه لهؤلاء الأبرياء، وأن نرعاهم ونعلمهم، ونحسن تربيتهم حتى نصل بهم إلى بر الأمان، ويشتد عودهم؛ ليتحملوا المسؤولية من بعدنا، وبنظرة على أحوال أطفالنا، سنجد أنها لا تسر عدواً ولا حبيباً، فقد أصبحنا سادة في التنمر، وخصوصاً على بناتنا، وبين أسبوع وآخر نسمع عن فتاة تنتحر من التنمر والابتزاز الإلكتروني، وبين عشية وضحاياها نسمع عن طفل لاجئ قتله الصقيع والبرد، وهو يلتحف السماء في ظل مناخ يعاني تطرفه الناس داخل بيوتهم المزودة بكل أدوات الرفاهية، ويتركون صغاراً وكباراً يلتهمهم البرد وإفرازاته، وبين وقت وآخر نقرأ تقريراً عن أطفالنا الذين يعانون الجوع، ولا يأكلون سوى وجبة واحدة في اليوم؛ بسبب الفقر، وتقريراً آخر عن عمالة الأطفال الذين يفرض عليهم ذووهم العمل المبكر وفي ظروف صعبة، للإنفاق عليهم، وتقريراً ثالثاً عن المحرومين من التعليم، بسبب عجز أهلهم عن دفع النفقات. 

 في نفس الوقت الذي انشغلنا فيه بريان، لم ينتبه الكثير منا لمأساة الطفل السوري فواز قطيفان الذي تم اختطافه من قبل إحدى عصابات الاتجار بالأطفال في 2 نوفمبر، طالبة من أهله فدية 700 مليون ليرة سورية، ولأن الأهل غير قادرين تم التخفيض إلى 500 مليون ليرة، ولا يزال الأهل عاجزين، ولا تزال العصابة تعذب الطفل، وترسل لأهله فيديوهات تعذيبه، وقد لقيت أزمة فواز بعض الاهتمام على وسائل التواصل، على أمل الإسراع في إنقاذه قبل فوات الأوان. 

 نعم، إذا أراد الإعلام فعل، وإذا أرادت وسائل التواصل أن تفرض على الناس الاهتمام بقضية أو شخص فعلت، المهم أن تتوافر الإرادة، وأزمة ريان تؤكد أن الإعلام ما زال قادراً وما زال مؤثراً وما زالت كلمته نافذة على الناس بمختلف مستوياتهم. ولعلنا نتذكر أن الإعلام عندما أراد أن يخلد الطفل الفلسطيني محمد الدرة عندما اغتالته رصاصات الغدر الإسرائيلية عام 2000 فعل، وعندما أراد أن يفضح قسوة النظام العالمي على اللاجئين والهاربين من نار الحرب في سوريا، أضاء على صورة الطفل السوري آلان على الشاطئ بعد أن مات غرقاً. 

 كل ما نريده من الإعلام الذي كان إنسانياً مع ريان، أن يحتفظ بإنسانيته، ويفسح بعض المساحة لأطفالنا المجني عليهم في أكثر من بقعة عربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"