إنقاذ رغيف الخبز العربي

00:52 صباحا
قراءة 3 دقائق

يبدو أن تداعيات الحرب الأوكرانية لن تقف عند حدود أوكرانيا فقط، ولن تقتصر على بقعة جغرافية بعينها، وإنما سيطال شررها مناطق بعيدة في العالم لا منطقتنا العربية التي يتوقع الكثير من المراقبين أن ينالها نصيب الأسد من تداعيات هذه الحرب المدمرة، باعتبار أنها ستمس مباشرة، لقمة العيش في أكثر من بلد عربي؛ ذلك أن معظم الدول العربية تعتمد في استهلاكها من الدقيق على القمحين الروسي والأوكراني، بنسبة كبيرة، وهو ما دفع العديد من المراقبين إلى التحذير من الآثار التي ستتركها هذه الحرب. فعلى سبيل المثال، استوردت مصر وهي أكبر الدول العربية، من القمح 5.5 مليون طن عام 2021، مقابل نحو 3.5 مليون طن محلياً من الفلاحين، واستوردت نحو 12.9 مليون طن في 2020 للحكومة والقطاع الخاص بقيمة 3.2 مليار دولار، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ومعظم هذه الواردات من أوكرانيا وروسيا، حيث تصل نسبة واردات مصر من القمحين الروسي والأوكراني إلى 70% من احتياجات البلاد، كما أنها (أي مصر) الأولى عالمياً في استيراد الذرة من أوكرانيا.
وكما هو الحال بالنسبة لمصر، تعتمد دول عربية أخرى على القمحين الروسي والأوكراني مثل السودان واليمن ولبنان وحتى سوريا التي كانت من الدول المكتفية ذاتياً قبل اندلاع ما سمي «الربيع العربي»، حيث اضطرت إلى شراء 1,5 مليون طن من القمح في عام 2021، معظمها من روسيا.
أما في لبنان فقد أكد وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام في 25 شباط/فبراير الماضي، أن احتياطيات لبنان من القمح تكفي شهراً على الأكثر، وأن لبنان يسعى إلى عقد اتفاقيات استيراد من دول مختلفة، في ظل مخاوف في السوق بسبب الأزمة الأوكرانية، مشيراً إلى أن بلاده، تستورد معظم احتياجاتها من القمح من أوكرانيا، وأنها تجري محادثات مع دول أخرى لاستيراد القمح، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند وفرنسا، وبعض الدول الأوروبية.
وتجدر الإشارة إلى أن لبنان يستورد ما بين 600 و650 ألف طن سنوياً، 80% منها من أوكرانيا. وفي المغرب العربي لا يبدو الحال أفضل منه في الدول العربية الأخرى، حيث تستورد تونس 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا، كما أن الجزائر تعد ثاني مستهلك للقمح في إفريقيا، وخامس مستورد للحبوب في العالم، وكذلك الحال بالنسبة للمغرب وليبيا، إضافة إلى دول الخليج العربي التي تستورد كميات كبيرة من القمح من روسيا وأوكرانيا أيضاً، إضافة إلى الولايات المتحدة التي تشكل المصدر الرئيسي لتوريد القمح إلى الخليج بنسبة تصل إلى 82% من احتياجاتها من القمح.
ويعتبر الشرق الأوسط ثالث أكبر مستورد للقمح الأوكراني في موسم 2020  2021، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية.
وعندما نتحدث عن القمح، فإننا نتحدث عن الخبر لقمة العيش الأساسية، وهو يعيدنا ذلك إلى عديد الاضطرابات التي شهدتها دول المنطقة خلال العقود الماضية والتي نشأ الكثير منها على خلفية غلاء الأسعار، لا سيما المواد الغذائية التي يأتي في مقدمتها رغيف الخبز، وهو ما حذر منه معهد الشرق الأوسط للأبحاث الذي أشار إلى أنه إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح «للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، فقد تؤدي الأزمة إلى اضطرابات جديدة وعدم استقرار في المنطقة»، حيث ظل رغيف الخبز على الدوام خطاً أحمر، في ما يتعلق بزيادات الأسعار التي كانت تقوم بها الحكومات أحياناً، لتشعل فتيل اضطرابات واحتجاجات عارمة، خاصة مع الارتفاع الملحوظ في أسعار القمح الذي وصل إلى أعلى مستوى له في تسعة أعوام في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية التي تهدد إمدادات القمح من أكبر مصدرين في العالم. وسجلت أسعار الحبوب مستويات قياسية في جلسات التداول الأوروبية؛ إذ بلغ سعر القمح 344 يورو للطن الواحد لدى مجموعة «يورونكست» التي تدير عدداً من البورصات الأوروبية.
وحذرت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد من تداعيات خطرة لهذه الأزمة، وقالت: «إن أوكرانيا من أكبر مصدّري القمح في العالم، وخصوصاً للعالم النامي»، مؤكدة أن الحرب تتسبب بارتفاع أسعار المواد الغذائية وبجوع أكثر شدة في أماكن مثل ليبيا واليمن ولبنان.
واستناداً إلى ما تقدم، فإن الدول العربية مدعوّة اليوم لوضع خطط طوارئ عاجلة وسريعة لتفادي ما لا تحمد عقباه إذا ما تفاقمت الحرب الأوكرانية الروسية، وطال أمدها، وأن عليها التحرك بسرعة لإنقاذ رغيف الخبز العربي من نار الحرب الأوكرانية، قبل أن تقع الفأس في الرأس كما يقول المثل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"