الدبلوماسية طريق الحل

00:55 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

الحروب هي الطامة الكبرى على البشرية التي خسرت أعداداً هائلة من الضحايا من جرّائها، إضافة إلى ما تلحقه من دمار في الممتلكات، كما التأثير الجسدي والنفسي على من يعانيها. يبدو أن الرئيس بوتين لن يتراجع في حربه، كما وجّه أمراً لوزير دفاعه وقائد الأركان بوضع قوات الردع النووي الروسية في حالة تأهب قصوى، وفسّر ذلك بأنه رد على ما وصفها ب«تصريحات عدائية لزعماء حلف شمال الأطلسي»، وتأتي خطوته ردّاً على العقوبات الجديدة التي فرضها الغرب على روسيا مؤخرّاً، ما يشي بأن الرئيس الروسي مستمر في سياسة «قوة الردع» التي ينتهجها ضد أوكرانيا. ويُعد هذا المفهوم تلويحاً باستخدام القوة ضد طرف آخر لمنعه من القيام بعمل يهدد مصالح الطرف الرادع. 

 واشنطن اعتبرت الخطوة الروسية «تصعيداً للنزاع دون مبرر». في حين أن روسيا تبرر حربها بأنها دفاع عن النفس لمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو ووضع قواعد عسكرية في أراضيها تحمل تهديداً مباشراً للأمن الروسي. من جانب آخر فإن الحرب إن بدأت فمن الصعب التحكم بمسارها والتحكم بإنهائها، فهي مرهونة بإرادة طرفين وليس طرفاً واحداً، كونها تقود إلى خطوات عسكرية جديدة بشكل شبه يومي تعمل على استمراريتها. فكم من الحروب بدأت وكان من الصعب إيقافها. ولا يوجد في الأفق أية دلالات تشي بقرب انتهاء الحرب على أوكرانيا. من جانبه أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغو شويغو بأن العمليات العسكرية الروسية «ستتواصل في أوكرانيا حتى تحقيق كامل أهدافها».

 من جانب آخر، لقد دخلت العملية العسكرية الروسية أسبوعها الثاني، وأعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنيكوف، أن القوات الروسية والانفصاليين الموالين لها أقاموا ممراً يربط بينهم على ساحل بحر أزوف. وأضاف: «إن قوات من منطقة دونيتسك الانفصالية الموالية لروسيا انضمت إلى الجيش الروسي» الذي سيطر على مناطق كثيرة في أوكرانيا خلال الحرب الدائرة. 

في الأغلب تؤدي الحروب إلى اصطفافات وتجاذبات حادّة، والحرب الحالية لن تترك تأثيراتها على أوروبا فحسب وإنما على الصعيد الدولي بشكلٍ عام. فمثلاً تبدو أوروبا موحّدة تجاه تأييد أوكرانيا. فقد أعلنت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتو ميتسولا «أن أوروبا تواجه تهديداً وجودياً من جرّاء حرب روسيا ضد أوكرانيا»، مضيفة أن البرلمان يرحّب بطلب أوكرانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وسوف يعمل على تحقيق هذا الطلب.

من جهته قال شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي: إن القانون الدولي معرّض للخطر، ويواجه ما سماه «إرهاباً سياسياً»، مشدداً على أنه يتوجب على روسيا وقف الحرب، وإعادة قواتها إلى ثكناتها. وأضاف: يتصور بوتين أن باستطاعته كسر وحدة الأوروبيين، كما أشار إلى أن الرئيس الأوكراني وجّه طلباً لانضمام بلاده للاتحاد الأوروبي. في نفس السياق، جاءت تصريحات جوزيف بوريل ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي قال: إن ما يجري يذكرنا بأحداث الحرب العالمية الثانية.

تناسى المسؤولون الأوروبيون مطالب روسيا بعدم وضع قواعد للناتو في الأراضي الأوكرانية، وتسابقوا جميعاً في انتقاد موقف موسكو، كما تناسوا جميعهم الدعوة إلى حلّ هذا الصراع بشكلٍ سلمي، من خلال الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولم يتذكروا شيئاً عن الملايين من البشر الذين خسرتهم أوروبا في الحرب العالمية الثانية كما في الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى الحروب الأخرى الكثيرة التي عانتها أوروبا.

 يبقى أن هذه الأزمة لا بد من حلها بالوسائل الدبلوماسية، لأنها وحدها الكفيلة بحفظ الأمن والسلام العالميين وإنقاذ البشرية من الدمار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"