زيارة أحمد فؤاد الثاني

00:32 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السناوي

منتصف سبعينات القرن الماضي خطر للرئيس «أنور السادات» أن يحتذي تجربة الجنرال الإسباني «فرانشيسكو فرانكو» في نقل السلطة بعده إلى «خوان كارلوس» سليل عائلة «البوربون» الملكية.

 بتوقيت مقارب التقى «أحمد فؤاد» سليل عائلة «محمد علي»، الذي ولد في يناير (1952) بالأيام التي سبقت مباشرة حريق القاهرة ونزول الجيش لأول مرة في التاريخ الحديث لضبط الأمن في الشوارع المروعة.

 أهداه سيف جده «محمد علي» مؤسس العائلة الملكية المصرية، كانت تلك إشارة رمزية دوت وقتها في الحياة السياسية.

 وأمر أن تكتب صفته في جواز سفره المصري «ملك مصر السابق»، وكانت تلك إشارة رمزية أخرى على نزوعه لاستنساخ التجربة الإسبانية.

 لم يكن ذلك ممكناً بقدر الفوارق بين الجيشين المصري والإسباني، فالأول، جمهوري بحكم الدور الذي لعبه بعد 23 يوليو.. والثاني، ملكي بحكم إرثه في الحرب الأهلية.

بقوة الحقائق السياسية تبخرت الأهواء سريعاً حتى أعادت إنتاج نفسها فيما يشبه الهزل بأوقات أزمات دولية وإقليمية واجتماعية تتهدد البلد في وجوده ومستقبله.

 في زيارته الأخيرة تبدت حالة احتفاء زائد ب«أحمد فؤاد» نجل الملك السابق «فاروق» وولي عهده في نوادي النخبة الاجتماعية ك«نادي الجزيرة» و«نادي الصيد» و«نادي السيارات». نودي ب«جلالة الملك»، وصف بأنه كان بسيطاً في الحديث مع مستقبليه، دون أن يذكر أحد اللغة التي تحدث بها. قيل إنه «تفقد» الأماكن التي زارها وأبدى بعض الملاحظات، دون أن يخبرنا أحد بأية صفة!

 لم يتقلد أبداً منصب «مليك البلاد» حتى يوصف بالسابق، فقد عزل والده وهو في الشهور الأولى من عمره، وضع تحت الوصاية لفترة محدودة قبل إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية (1953).

 الإلحاح على الأوصاف لافت بذاته والاحتفاء الزائد داعٍ للتساؤل. كانت واحدة من المآسي السياسية والإنسانية في قصة مصر قبل يوليو (١٩٥٢) أن الملك «فاروق» افتقد الحد الأدنى من الرشد في إدارة الشأن العام، استغرق في الانقلابات الدستورية، وافتقد نظام الحكم أي استقرار في لحظة قلق عامة بعد الحرب العالمية الثانية، والنار تحت الرماد بعد نكبة فلسطين.

 كان «فاروق» ضحية ما حوله وضحية نفسه. هذه حقيقة تثبتها شهادات بلا حصر لرجال عملوا معه، أو اقتربوا منه. ولم يكن لنجله «أحمد فؤاد» أي ذنب يحسب عليه.. ولا أية ميزة تحسب له.

 عندما ولد ابتهج القصر الملكي وأخذ يغدق بالهدايا على الذين ولدوا في نفس اليوم (16 يناير)، غير أن الحوادث العاصفة أفسدت على الملك ابتهاجه بميلاد ولي عهده.

كان حريق القاهرة في ٢٦ يناير ١٩٥٢ إنذارا أخيراً بما هو آتٍ.

في اليوم السابق تصدى ضباط وجنود الشرطة في الإسماعيلية بأسلحة بدائية لقوات الاحتلال البريطانية رافضين تسليم مواقعهم.

 أفضت الواقعة بما حملته من استهانة بريطانية وما عبّرت عنه من شجاعة مقاومة إلى إضراب عام في العاصمة ل«بلوكات النظام». تداعت الأحداث بعده إلى حرائق في قلبها. أفلت النظام العام وسادت الفوضى وعمليات النهب والتخريب فيما كان الملك يحتفي بميلاد ولي عهده وسط أركان حكمه.

  بمناسبة مرور خمسين سنة على ثورة يوليو طرح محمد حسنين هيكل سؤالاً جوهرياً، تضمنه كتابه «سقوط نظام»: «لماذا كانت ثورة يوليو ١٩٥٢ لازمة؟»

أتاحت له مجموعات الوثائق البريطانية والأمريكية ومذكرات وشهادات أبطال المرحلة أن يُعيد بناء القصة من جديد بأكبر قدر ممكن من التحري والتدقيق.

الأكثر إثارة في ذلك الكتاب الموثق أنه تطرق موسعاً إلى خفايا ما كان يحدث في القصر الملكي، مسجلة على شرائط بصوت وكيل الديوان الملكي «حسن يوسف»، الذي عمل في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة «الأهرام»، خلال رئاسة «هيكل» مسؤولاً عن وحدة التاريخ الحديث.

 كانت تلك شهادة مسجلة ك«وديعة تُنشر بعد عدد من السنين»، حسب اتفاق بين الرجلين بحضور «عبدالفتاح عمرو»، وهو واحد من أقرب أصدقاء «فاروق» وسفيره فوق العادة في لندن.

 قدر «هيكل» أن مرور خمسين سنة على ثورة «يوليو» تكفي وتزيد للبوح ببعض ما تضمنته الشهادة المسجلة، لكنه ترك الأصل بصوت وكيل الديوان الملكي للأجيال القادمة، قبل أن تلتهمه - ربما - حرائق برقاش.

 من دواعي الدراما في تلك الفترة المتقلبة، أن الملك فكر في «انقلاب أبيض» يعلن بعده «ديكتاتورية عسكرية» تحكم بمراسيم لها قوة القانون وتأجيل أية انتخابات برلمانية إلى أجل غير مسمى- كما تكشف البرقيات البريطانية.

 أجهضت حركة «الضباط الأحرار» تفكيره وسبقته قبل أن تذهب به إلى المنفى.

بحكم الوثائق البريطانية فإن الملك «فاروق» طلب التدخل العسكري البريطاني لإجهاض التمرد عليه على نحو ما فعله عمه الخديوي «توفيق» عام (١٨٨٢)، لكنه لم يتلق إجابة.

 بدا «فاروق» مذعوراً - وفق برقية للسفير الأمريكي «جيفرسون كافري»، الذي أخذ يهدئه دون جدوى.

 بعد سبعين سنة من إطاحة آخر ملوك أسرة «محمد علي» هناك من يحاول – دون جدوى أيضاً- أن يقنعنا أن حكمه كان جنة على أرض!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"