عودة إلى «ألف ليلة وليلة»

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.يوسف الحسن

من مِنَّا لم يقع تحت إغراء قراءة كتاب «ألف ليلة وليلة» رغم أن قلة منا عرف من هو مؤلف أو مؤلفو هذا الكتاب؟

 أثَّرت حكايات «ألف ليلة وليلة» في الأدب العالمي، واستوحى روائيون عرب عدداً من أعمالهم من هذه الحكايات المدهشة، وألهمت أدباء من أمثال توفيق الحكيم، وطه حسين ونجيب محفوظ، والطيب صالح وغيرهم، كما ألهمت عدداً من الموسيقيين منذ القرن التاسع عشر. ومن مِنَّا لم يطرب وهو يستمع لأغنية أم كلثوم «ألف ليلة وليلة» والتي كتب كلماتها الشاعر مرسي جميل عزيز ولحنها بليغ حمدي في عام 1969؟

تدور القصة الإطارية لهذه الحكايات حول الملك شهريار الذي اعتاد على قتل النساء، بسبب خيانة زوجة له، ومحورها هو حديث وحكايات زوجته العذراء الجديدة شهرزاد والتي تطلب منه العفو، بعد نجاحها في سرد حكايات متصلة وممتدة ومشوقة. ومن هذا المدخل، تنطلق كل الحكايات وتتشعب، حكايات من أسمار العجم والروم والهنود والعرب وغيرهم، ومن بلاد متنوعة، بما فيها حكايات جرت أو تُخيلت في مصر وبلاد الشام والعراق، وأساطير شرقية عن الجن والسحر، ومكائد النساء والعيَّارين واللصوص، فضلاً عن قصص التصوف والزهد، وحياة النعيم والترف، وحكايات «السندباد البحري» و«علاء الدين والمصباح السحري» و«علي بابا والأربعون لصاً» وغيرها.

وأحسب، وقد أكون مخطئاً، أن هذا الكتاب لم يحظ بدراسات متعمقة ومعتبرة في الثقافة النقدية العربية، وراوحنا ما بين قبول حكايات لياليه، كتسلية سردية، أو نبذها كحكايات خرافية، تفتقر للقيمة الأدبية، أو تشوِّه تاريخ بعض الشخصيات الكبيرة في الحضارة الإسلامية، أو المبالغة في سرد أحاديث الذهب والفضة واللؤلؤ والمرجان والجواهر والغلمان والعشيقات والعبيد والجواري وأبواب القصور المزركشة بالذهب واللؤلؤ واللازورد.. إلخ.

قد يُعجب بعضنا بتلك الحكايات الغريبة أو المرحة أو الذكية، وقد يرى فيها البعض حكايات مليئة بالهذيان، لكن ما يثير الدهشة تلك التفاصيل المتناثرة في كل الحكايات المتعلقة بجسد الإنسان، وخاصة النساء والغلمان، والفوضى الجنسية، وعبث ملوك وحاشية، وقصص كوميدية وغرامية وشعوذة وخرافات.

وبغض النظر عن جمال السرد، الذي اعتمده رواة حكايات «ألف ليلة وليلة» وأجواء الدهشة والسحر والأحلام الجامحة، التي تخيم على واقع المدن والممالك التي جرت فيها الحكايات، سواء كانت مدناً متخيلة أو واقعية، فإنني كلما عدت إلى الكتاب، تنتابني الشكوك في صحة بعض نصوص حكاياته، خاصة ما ورد عن خلفاء معروفين، مثل هارون الرشيد، وابنه الخليفة المأمون، والخليفة عبدالملك بن مروان، وغيرهم، وقدمتهم حكايات الليالي، أو على الأقل، جوانب من حياتهم، كشخصيات عابثة ولاهية وسلطوية، عادلة حيناً، وظالمة وسريعة الغضب أحياناً.

خلت حكايات الليالي من نماذج لنساء ورعات، ووفيات ومستقيمات في أخلاقهن وسلوكهن، وجاءت النصوص مليئة بالجرأة والمكائد والاحتيال، وتوغلت في زوايا القصور وطقوس الفرح والحزن والشهوات، والمصابيح السحرية والخمرة وخواتم «شبيك لُبيكّ، المال والقصور وجواري الأرض بين يديك».

قالت شهرزاد «بلغني أيها الملك السعيد، إن جعفر البرمكي نادم هارون الرشيد ليلة، فقال الرشيد: «يا جعفر بلغني أنك اشتريت الجارية الفلانية، ولي مدة أطلبها فإنها في غاية الجمال، وقلبي من حبها في اشتعال، فبعها لي»، فقال جعفر: «لا أبيعها يا أمير المؤمنين»، فرد الرشيد قائلاً: «هبها لي»، فقال جعفر «لا أهبها»، فرد الخليفة غاضباً: «زبيدة طالق ثلاثاً، إن لم تهبها لي»، فرد جعفر: «وزوجتي طالق إن أنا وهبتها لك»، ثم أفاقا من نشوتهما!! وعلما أنهما وقعا في أمر عظيم، واستدعيا القاضي أبا يوسف، الذي حضر، فأفتى «أن يبيع جعفر نصفها، ويهب أيضاً نصفها الآخر للرشيد» هذا مثال مريب وكوميدي، من حكايات «ألف ليلة وليلة».

وفي تقديري أن رواة هذه الحكايات قد بثوا في قصصهم ما يؤمنون به من مقولات فكرية وأيديولوجية. ورغم ما فيها من هنّات، فقد حققت هذه الحكايات انتشاراً واسعاً عبر القرون، وطافت العالم، وترجمت إلى العشرات من اللغات.

***

الملك شهريار الذي رأى أن جميع النساء مخطئات، كان يتزوج كل ليلة فتاة عذراء، وفي صباح اليوم التالي يهم بقتلها حتى لا يكون لها فرصة لخيانته، وحينما تزوج ابنة وزير لديه، وكان اسمها شهرزاد، بدأت في الليلة الأولى لزواجها بسرد حكاية للملك دون أن تنهيها، مما يدفعه الفضول لإبقائها حية حتى يعرف نهاية الحكاية، وظل الأمر كذلك حتى أتمت «ألف ليلة وليلة».

.....

وأدركت شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. إن كثيراً من الكلام الصمت أفضل منه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"