تونس ومحور الشرق

00:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. كمال بالهادي

تواجه تونس صعوبات اقتصادية ضخمة، بسبب تردد صندوق النقد والبنك الدوليين في تقديم مساعدات ماليّة، وزيادة ضغوط الدائنين على البلد الذي خرّبت عشرية «الإخوان» السوداء أسسه الاقتصاديّة. ولكن في الوقت الذي أغلقت فيه أبواب التمويل الغربي، أعلنت الحكومة التونسية انضمامها رسمياً، إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتيّة.
 الخبر لم ينل اهتماماً كبيراً في وسائل الإعلام التونسية، وحاولت جهات سياسية التقليل من أهمية هذه الخطوة، غير أنّ قراءة معمّقة لهذا الحدث تعطي فكرة عن أنّ ما حدث هو خطوة جدّية قررها الرئيس قيس سعيّد للتوجه شرقاً، حيث الاقتصادات النامية، وحيث التمويلات التي يمكن أن تساعد تونس في معركة الإقلاع الاقتصادي.
 محور الشرق، النمور الآسيوية العائدة، ومؤسساتها المالية، مثل بنك الاستثمار وبنك التنمية الجديد وتجمع بريكس، التي تريد أن تكون بديلاً لمؤسسات التمويل التقليدية، هي عناوين فرعية لنظام عالمي جديد، بدأ يتشكّل منذ سنوات بقيادة الصين من خلال مشروعها الدولي «الحزام والطريق»، وروسيا التي تمثّل شوكة عسكرية في مواجهة الناتو والتمدد الغربي. هذا المحور الجديد تحدث عنه الرئيس قيس سعيّد في خطاب العيد رابطاً بينه وبين ولادة جمهورية جديدة في تونس. جمهورية ستبنى على أسس داخلية غير تقليدية، وستبني علاقاتها الخارجية على أسس غير تقليدية أيضاً، فبعد أيام قليلة من خطاب العيد أعلنت تونس عن انضمامها للبنك الآسيوي للاستثمار لتكون الدولة رقم 90 في تجمّع أسواق ضخم يشمل المليارات من المستهلكين والمصنّعين، ويمثل قلباً حيوياً للتجارة الدولية. والأهم بالنسبة إلى تونس هو الاستفادة من التمويلات التي ستحصل عليها من هذا البنك الذي يقدّر رأسماله ب100 مليار دولار عند تأسيسه، والذي شرع في تمويل مشاريع البنية التحتية منذ سبتمبر/ أيلول 2021. ويكفي أن نشير هنا إلى أنّ مصر حصلت على محفظة مالية بقيمة مليار دولار من هذا البنك، ووقعت على مشاريع تعاون ضخمة أخرى.
 إنّ تونس الجديدة تراهن على تنويع علاقاتها الاقتصاديّة، وتريد أن تستفيد من تمويلات ضخمة لاستئناف الاستثمارات الكبرى التي ظلت معطلة خلال عشرية الخراب. وسيكون لتونس إمكانية النفاذ لمحافظ مالية آسيوية أخرى، بعد أن جاء هذا الانتماء الجديد للبنك الآسيوي للاستثمار، إعلاناً سياسياً تونسياً عن انخراط عميق في شراكات واسعة مع الأقطاب الأقطاب الاقتصاديّة العالمية الجديدة.
 إن الانتماء إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، هو مجرّد خطوة أولى ستليها إعلانات مستقبلية عن انخراط تونس في مشاريع استثمارية ضخمة. ذلك أن طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ، مبادرة بناء «الحزام والطريق» في النصف الثاني من عام 2013، دعا إلى تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية لتوفير الدعم المالي لتطبيق استراتيجية «الحزام والطريق»، ودفع بناء البنية التحتية للدول على طول طريق الحرير وغيرها، وهي الدعوة التي لقيت استجابات هائلة في أنحاء العالم، وهذا يعني آلياً، أن تونس باتت ضمن مشروع الحزام والطريق، ما سيمنحها قدرة على المناورة وتنويع الشراكات. فإن أغلقت أبواب الغرب، فإنّ أبواب الشرق باتت مفتوحة أمام القيادة التونسية. وإذا أضفنا إلى هذه التحول المهم في سياسات تونس الخارجية، الحديث المطّرد عن زيارة قيس سعيّد إلى موسكو في وقت لاحق، وزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تونس، في خضم الحرب الروسية على أوكرانيا، فإنه يمكننا القول إن تونس حسمت قرارها بألاّ تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه التحوّلات، وسيعمل الرئيس سعيّد على بلورة شراكات جديدة عميقة ومتنوّعة تجعل قرطاج منارة مضيئة في قلب المتوسط، يرغبها الغرب والشرق، على حد السواء.
 لقد حان الوقت أن تستثمر تونس رأسمالها الرّمزي المتمثل في موقعها الاستراتيجي، وفي مخزونها البشري القادر على قيادة الاستثمارات الضخمة. وهناك مشاريع ضخمة تنتظر إطلاقها منذ سنوات، خاصّة منذ مؤتمر الاستثمار في تونس 2020 الذي قدمت فيه مشاريع جاهزة للتنفيذ الفعلي، ولكن غابت التمويلات وظلت تونس تعاني الركود الاقتصادي.
 ويكفي أن نقول هنا، إنّ الانضمام بشكل فعلي لمبادرة «الحزام والطريق» ومؤسساته التمويلية، سيجبر الغرب على فتح خزائنه لتونس، وتذليل كل الصعوبات التي كانت توضع أمامها لضمان تبعيّتها للغرب. هذه هي الجمهورية الجديدة التي يريدها قيس سعيّد، ويحاربها من أجله خصومه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"