عادي
رائد النقد الثقافي عربياً

عبدالله الغذامي شخصية العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب

19:52 مساء
قراءة 5 دقائق
4
3
  • أحد رواد الحداثة ولم يقطع معرفياً مع التراث

أبوظبي: «الخليج»

أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب، عن منح لقب شخصية العام الثقافية لدورتها السادسة عشرة للناقد الدكتور عبد الله الغذامي، تكريماً لمسيرته الطويلة من العطاء، والتي أنجز خلالها الكثير من الدراسات والمشروعات البحثية المهمة التي أَثرت الحراك الثقافي إقليمياً وعربياً.

ومنحت الهيئة العلمية للجائزة ومجلس أمنائها الدكتور عبدالله الغذامي جائزة شخصية العام الثقافية نظير جهوده المتميزة في ميدان النقد الثقافي ودراسات المرأة والشعر والفكر النقدي التي بدأت منذ منتصف الثمانينات، والتي أحدثت نقلة نوعية في الخطاب النقدي العربي. وأسهمت مؤلفات الغذامي مثل «الخطيئة والتكفير» «والنقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية» و«تشريح النص» و«الموقف من الحداثة» و«الكتابة ضدّ الكتابة» و«المرأة واللغة»، وغيرها من الدراسات المتخصصة في بلورة حركة نقدية حول النقد الأدبي والنقد الثقافي، وفتح الآفاق نحو مناقشة التراث الشعري والإبداع العربي المعاصر وإعادة قراءته من منظور نقدي يتسم بالجدة والعمق والاختلاف.

وقد كان الدكتور الغذامي واحداً من رواد الحداثة التي لا تؤمن بالقطيعة المعرفية؛ بل تصدر عن إيمان بإعادة قراء التراث بمنهجية نقدية تُثريه وتلقي أضواء كاشفة على ما فيه من إبداع.

حراك

استطاع الدكتور عبدالله الغذامي عبر مسيرة طويلة جاوزت خمسة عقود أن يؤسس حراكاً معرفياً نوعياً لفت الأنظار من خلاله إلى أهمية النقد الثقافي، فتميّز في ميادين النظريات وحاور وتناول العديد من القضايا التي جعلت منه علماً من أعلام النقد في المنطقة العربية؛ إذ يعكس اختيار الجائزة حرصها على الاحتفاء بهذه القامة، وتسليط الضوء على جهوده ومؤلفاته النوعية التي أثرى من خلالها المكتبة العربية، وسلّطت الضوء على العديد من القضايا المهمة والمحورية في الحراك الثقافي، والفكري على حدّ سواء.

وقدم الغذامي، وهو من مواليد مدينة عنيزة السعودية عام 1947 والذي عمل أستاذاً للنقد والنظرية في كلية الآداب، قسم اللغة العربية، بجامعة الملك سعود في الرياض، دراسات نقدية سلّط من خلالها الضوء على دراسات المرأة؛ إذ تعدّ جهوده في هذا المجال فاتحة لدراسات النسوية في العالم العربي، ومرحلة تأسيسية للخطاب النقدي الثقافي العربي من خلال تكريس حضور النقد الثقافي في الساحة الأكاديمية العربية وتفعيل الخطاب النقدي على حد سواء، في الوقت ذاته فللغذامي امتدادات علمية ثقافية في مجالات النقد والفلسفة والفكر، حيث ألّف عدداً كبيراً من الكتب والدراسات في هذه الحقول المعرفية منها: «مآلات الفلسفة.. من الفلسفة إلى النظرية»، و«القبيلة والقبائلية أو هويات ما بعد الحداثة».

وقال الدكتور علي بن تميم، أمين عام الجائزة: «تحتفي جائزة الشيخ زايد اليوم بقامة أدبية مرموقة لها تاريخها الطويل وانشغالاتها الدؤوبة التي سلّطت الضوء على أهمية النقد ومكانته في الحراك الثقافي بصفة عامة، فالدكتور الغذامي يمتلك رؤية فذّة وسعة اطلاع فريدة استطاع من خلالها أن يعبر عن منجزات الثقافة العربية فتبحّر في علومها، ونهل من نظرياتها، وقدّم العديد من الأطروحات النقدية الحديثة والمعاصرة التي أحاط من خلالها بكثير من الجوانب المعرفية وسلّط الضوء على جملة من القضايا المهمّة والمعرفية بعين الناقد والمفكر الفيلسوف والأكاديمي الذي يرتبط بشكل وثيق بثقافة عربية أصيلة، وينطلق منها ليحلّل ويبحث ويتمعّن عن قرب حتى بات علماً أصيلاً من أعلام النقد في عالمنا العربي».

مفكر طليعي أسس لمفهوم جديد في النظرية الثقافية

في كتابه «الموقف من الحداثة» يؤكد د. عبدالله الغذامي أن الحداثة فشلت عربياً وسقطت عالمياً؛ لأنها عجزت عن تحقيق ما وعدت به.

وفي أحد تصريحاته يوضح الغذامي أن تحوّله عن النقد الأدبي إلى النقد الثقافي للمجتمع والأنساق الاجتماعية المنبثقة منه، يعود إلى أن النقد الأدبي وصل إلى حال من التشبع، وبات يكرر نفسه، وصار عاجزاً عن إحداث رؤية جديدة، كما أن الثقافة الإنسانية بعامة شهدت تغيرات ضخمة في الخطاب نفسه، حيث جاءت ثقافة الصورة، بخصائصها الجديدة التي تتطلب نقداً خاصاً بها، إلى جانب أن الثقافة العربية، بتاريخها الطويل ليست مجرد نصوص كما يقترح علينا النقد الأدبي، ولكنها تنطوي على «أنساق مضمرة» ولا بد من كشفها والتعامل معها، وهذا هو موضوع النقد الثقافي.

وفي كتابه «الخطيئة والتكفير.. من البنيوية إلى التشريحية نظرية وتطبيق» يناقش الغذامي نظريات النقد الحديثة كالبنيوية والسيميولوجية والتشريحية، مع تطبيق لهذه النظريات في قراءة النص، وهي قراءة تستند إلى الشفرات الدلالية وتفكيك وحدات النص وتشريحها ثم إعادة تركيبها.

أما كتابه «مآلات الفلسفة.. من الفلسفة إلى النظرية»، فهو كتاب جاء في أربعة فصول (الفلسفة اليوم، والفلسفة والأسئلة الكبرى، والمفاهيم الكبرى، والفلسفة والحكمة). وينطلق هذا الكتاب من فكرة تحول الفلسفة إلى نظرية، ويلخص د. الغذامي ذلك بالقول: «رأى بعض الفيزيائيين الكبار دانييل دانيت منكباً على كتب الفلسفة، فتعجبوا من فيلسوف معاصر لما يزل يعتمد على الفلاسفة القدامى، ولم يجد دانيت من دفاع غير أن قال: إننا نقرأ للكبار كي نتجنب أخطاءهم، ولو لم نفعل لكررنا الأخطاء ذاتها.. هذه هي أطروحة هذا الكتاب عن حال الفلسفة ومآلاتها، التي تقتضي صيغة عصرية تؤسس لحيوية جديدة، تقيم للفلسفة قيمة معرفية تتفق مع روح العصر».

في فصول الكتاب يرى الغذامي أن الفلسفة لن تموت وهي في تطور دائم، ولكنها تحتاج في تطورها إلى أن تواكب العصر، وتكرس القيم والتعددية الثقافية والتفكير الناقد، الذي يصل إلى نقد الخطاب الذاتي.

جدل الجمالي والفكري

في كتاب للناقد السعودي محمد بن لافي بعنوان «جدل الجمالي والفكري.. قراءة في نظرية الأنساق المضمرة عند الغذامي» صدر عن مؤسسة الانتشار العربي، أبرز دور الغذامي في جلاء كثير من المعالم الإبداعية في هذا الفكر، وأماط اللثام عما خفي من أسرار اهتماماته بالثقافة المهمشة، وقال: «إن الدراسات التي نهض بها بعض النقاد العرب ممن اعتبروا نقاداً ثقافيين، لا يمكن اعتبارها سبقاً في هذا المجال، فلم يعن أحد منهم ببلورة النظرية، وتعريب مصطلحاتها، وجعلها مطواعة للتطبيق وفق إجراءات منضبطة في سياق متصل قبل الغذامي، الذي كان دقيقاً في رصد الفروق بين ما يمكن اعتباره نقداً ثقافياً وما كان خارج هذا النطاق».

مقدمات منهجية

وعى الغذامي قضية المصطلح وأهميته في الخطاب النقدي، كما عني بضبطه وتحديده وتأصيله، وتوليده وتعريبه وترجمته، بما يوافق الحسّ العربي الأصيل، وينسجم مع السياق المعرفي والقرائي، وهذا دأبه منذ انشغل بمسألة «النصوصية» وما يحقّق شعرية النص أو أدبيّته، فاستحضر منجزات الثقافة الإنسانية، وربطها بالمنجز الثقافي العربي، وظفرت أطروحاته بمصطلحات نقدية، منبتها الألسنية الغربية الحديثة، فعمل على تبييئها، كما أبرز فضل السبق أحياناً للفكر اللغوي والبلاغي العربي في اصطناعها.

ويمكن استشفاف ذلك بالنظر في كتابيه «الخطيئة والتكفير» و«المشاكلة والاختلاف»، وذلك عبر المقدمات المنهجية، كالتي صدّر بها دراسته الأولى، وهي غاية في الدقة من حيث الإحاطة بالمصطلحات وتوليدها وتخصيبها.

لقد عكف الغذامي على تشكيل هذه المصطلحات، وابتداع بعض منها مخالفاً غيره من الدارسين تعريباً وترجمة مثلما هو الشأن مع مصطلح «بيوتيك» بالفرنسية الذي ترجمة إلى «الشاعرية» بدل «الشعرية» ومصطلح «غراماتولوجي» الذي ترجمه إلى «النحوية» بديلاً لمصطلح «الكتابة» وغيرها من المصطلحات التي ترجمها وفق دلالاتها المفهومية عربياً، كما يشي أيضاً بمرونته النقدية المنطوية على ثقة بإبداعه الخاص.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"