ما خفي في كواليس حرب أوكرانيا

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

في الفناء الخلفي للساحة التي شهدت واجهتها الأمامية، اشتعال الحرب في أوكرانيا، كانت تجرى أحداث في الكواليس، تمهد شيئاً فشيئاً للأزمة اللاحقة، وبخلاف ما نقلته وسائل الإعلام يوماً بيوم، فقد برزت من بينها الملفات التي احتوت ما سجله سيمون شوستر مراسل مجلة «تايم»، المقيم في أوكرانيا، حصيلة أشهر من تغطيته الميدانية لما يجرى هناك.
 يقول شوستر: صباح يوم سفري إلى أوكرانيا انهالت على مكتبي عديد من الاتصالات من أصدقاء، وأيضاً من أشخاص لا أعرفهم، هاتفياً وبالبريد. والجميع يسألونني، هل نحن الآن على شفا حرب بين أمريكا وروسيا، وبعث إلىّ أحدهم برسالة مكتوبة يسألني عن احتمال حدوث حرب عالمية ثالثة، خلال شهر أو أكثر قليلاً؟
 لم أعرف وقتها كيف أجيبهم عن هذه الأسئلة، فلا أحد يستطيع توقع الكيفية التي سترد بها روسيا على خط الإمدادات العسكرية الذي أقامته أمريكا وحلفاؤها الأوربيون، إلى أوكرانيا. وكان تقدير الدبلوماسيين، والمسؤولين عن إدارة قوافل الإمدادات، أن تلك مهمة معبأة بالأخطار. فمنذ نهاية فبراير/شباط الماضي، وعشرات من طائرات النقل العسكرية الأمريكية تهبط في مطارات دول في أوروبا الشرقية قرب الحدود مع أوكرانيا، محملة بالأسلحة.
 ثم يقدم سيمون شوستر شهادته، بأن هناك حقيقة واضحة، وهي أن الولايات المتحدة جزء من هذه الحرب؟
 من ناحية أخرى ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية أن تلك الإمدادات تعد أضخم حمولة في التاريخ، من الجيش الأمريكي إلى دولة أجنبية، وإن الرئيس بايدن وافق على تقديم معدات عسكرية قيمتها مليار دولار، تشمل طائرات مروحية، ومئة طائرة مسيرة من دون طيار، وآلاف الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات، ونحو ستين مليون قطعة من الذخيرة.
 وكانت هناك فكرة في البداية لاحتمال مساعدة زيلنسكى على تشكيل حكومة في المنفى، ربما في شرقي بولندا.
 على الجانب الروسي كانت المشكلة عند بوتين عبارة عن مزيج من الاعتبارات السياسية والشخصية معاً. فطوال 21 عاماً من رئاسته لروسيا، كان يعتبر أوكرانيا دولة صديقة، وتجمعه مع رئيسها وقتئذ فيكتورلانكوفيتش علاقات قديمة شخصية وأسرية، إلى أن بدأت تتحرك في أوكرانيا جماعات مضادة للانكوفيتش، وصلت إلى حد التخلص منه، وإجراء انتخابات فاز فيها الرئيس الحالي فولوديمير زيلنسكي الذي كانت ذاعت شهرته عقب القبول الجماهيري الذي لقيه الفيلم الذي قام ببطولته - كممثل سينمائي سابق - واسمه «خادم الشعب» وقام فيه بدور رئيس دولة.
 كان رد بوتين على هذه التغييرات في الحكم، بأن ألقى خطاباً، قال فيه إن أوكرانيا لا توجد فيها الآن سلطة شرعية يمكن لأحد أن يتحدث معها، وإن ما جرى ضد رئيسها السابق هو انقلاب تقف وراءه أمريكا.
 وطرح سؤال عن موقف إدارة الرئيس جو بايدن من هذه التطورات؟.. قدمت الإجابة عن هذا السؤال، سيوريا جايانتي الدبلوماسية السابقة بالسفارة الأمريكية في كييف، وقالت إن الفريق المختص بالسياسة الخارجية في إدارة بايدن كان تركيزه الأساسي على المواجهة مع الصين، مع نظرتهم إلى روسيا على أنها مجرد دولة مثيرة للإزعاج، ولم ينظروا إليها كقوة دولية كبيرة، ولم يظهر اهتمامهم بأوكرانيا إلا عندما اتخذت الإجراءات ضد الرئيس السابق، والتأييد المتزايد للرئيس الجديد زيلنسكي، واعتبرت أمريكا ذلك جزءاً من الصراع في مواجهة نفوذ روسيا في هذه المنطقة.
 عندئذ غرست بذور الأزمة الحالية، في أرض هذا الصراع، بداية من تجاهل الولايات المتحدة، لمطالب روسية قدمها دبلوماسيون روس، لضمانات مكتوبة، بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهي نفس المطالب التي أعاد بوتين تقديمها في مذكرة إلى الرئيس بايدن قبل شهرين من الحرب في أوكرانيا، عدد فيها مخاوف روسيا الأمنية، ومقترحاً لقاء مع بايدن للتفاهم حول المخاوف التي تضمنتها رسالته. لكن أمريكا لم تقدم له رداً يطمئنه، ويزيل مخاوف الروس.
 وقد أعاد التحدث سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي عن مخاوف بلاده مؤخراً من أن الشعب الروسي يدافع عن حقائق تاريخية، ومصالح مشروعة، وإنه يعمل على منع التهديدات المباشرة لأمننا وثقافتنا وتاريخنا، وهي نفس المعاني التي عبر عنها بوتين مراراً، وإن الغرب يتجاهل حقيقة كون روسيا قوة عالمية عظمى، وهو ما يشهد عليه تاريخها الطويل.
هذه السلسلة الطويلة متصلة الحلقات، من الأحداث، ما خفي منها، وما هو معلن، كانت تجر الموقف هناك خطوة خطوة نحو الحرب التي اشتعلت هناك، والتي صارت مهيأة لها تماماً في أوكرانيا.
 ثم ينقل سيمون شوستر عن رئيس أوكرانيا كلمات قالها له، بأنه لا يعرف كيف ستنتهي هذه الحرب، أو كيف سيصف التاريخ دوره فيها، وإن كل ما يعرفه في تلك اللحظة أن أوكرانيا تحتاج إلى رئيس حرب، وإن هذا هو الدور الذي ينوي أن يلعبه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"