نموذج فرنسي للتغيير

00:30 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

الفرضيات التي تم الإعلان عنها، مع اندلاع الأزمة الأوكرانية جراء العملية العسكرية الروسية، والتأكيد على أن هذا الحدث له ما بعده في العالم وفي أوروبا على وجه التحديد، ها هي تجليات التغيير تتوالى في أكثر من بلد، وما أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية في جولتها الأولى، خير مثال، وتأكيد الرئيس إيمانويل ماكرون أن بلاده دخلت في «اقتصاد الحرب» دليل آخر على القطع مع ما كان سائداً قبل 24 فبراير/شباط الماضي.
 قبل القرار الفرنسي، صادقت ألمانيا على خطة بنحو 100 مليار يورو لتطوير قوات الجيش لتكون قادرة على مجابهة التحديات العسكرية المستجدة، وتتزامن هذه التوجهات مع حالات قلق واضطراب تسود المواقف الأوروبية، بين دول ترغب في عدم مجابهة روسيا والسعي إلى تلبية بعض من مطالبها، وأخرى تهرع إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو» وتريد الانضمام إليه بأي صيغة بحثاً عن الحماية وخشية مما يخبئه المستقبل. وبموازاة ذلك هناك أوضاع اقتصادية واجتماعية تتدهور جراء معدلات التضخم غير المسبوقة منذ عقود، وموجة الغلاء العاتية التي بدأت تؤثر في التوجهات السياسية والفكرية، وكأنها تمهد لبلورة نخب جديدة تواكب كل هذه المستجدات والتغيرات، وهو ما تبرهن عليه الصراعات الحزبية ونتائج الانتخابات في القارة العجوز. وأمام هذه الطفرة، استعادت قوى اليسار حيويتها، على حساب القوى التقليدية التي سادت أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
 الأزمة العنقودية التي أحدثتها الحرب في أوكرانيا، مازالت في بدايتها، كما يبدو، وهذا الصراع ضربت هزاته الارتدادية العالم أجمع، ومازالت تتوالى وخسائرها بلا سقف في شتى الميادين. وفي فرنسا، باعتبارها دولة محورية في أوروبا، فإن تقارب نتائج الجولة الأولى من الاقتراع التشريعي بين التحالف اليساري بزعامة جون لوك ميلانشون، وتحالف «معاً» بقيادة ماكرون، يشير إلى أن المشهد السياسي الفرنسي استجاب سريعاً للتحولات العالمية الجارية جراء الأزمة الأوكرانية، وإذا حازت القوى اليسارية المتحالفة الأغلبية المطلقة، سيكون ميلانشون أول زعيم يساري راديكالي، مرشحاً قوياً لرئاسة الحكومة الفرنسية، وسيجد سيد الإليزيه مشاكل في التعامل معها، لكن الوصول إلى هذه الحالة سيكون نقطة تحول تاريخية، وإذا ما اتسع نطاق الأزمات والتداعيات المتسببة لها، ستصبح ظاهرة لن تتراجع بسهولة.
كبار صناع القرار في العالم والخبراء السابقون، مثل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، يؤكدون، واثقين بأن العالم، الذي ألفته هذه الأجيال، يتغير بسرعة مذهلة، ويواجه مرحلة صعبة قد تقود إلى حروب وصراعات. كما يؤكدون أن القارة الأوروبية معرضة لزلازل جيوسياسية كبيرة، وستدخل علاقاتها الخارجية في اختبارات قاسية، لاسيما مع الولايات المتحدة التي تعمل على ترسيخ زعامتها للمعسكر الغربي لعقود أخرى. وبالمقابل، فإن القوى المناوئة، مثل روسيا والصين، ليست هينة، ويبدو أنها استعدت جيداً لهذه التطورات. ففي أوكرانيا، لا تخسر روسيا المعركة، والعقوبات غير المسبوقة المفروضة عليها عادت بالضرر على مطلقيها، وإذا اشتعلت أزمة في شرق الأرض بين الصين وتايوان، فستكون تلك رصاصة الرحمة على هذا النظام الدولي الذي يتعثر في كل الاتجاهات.
chouaibmeftah@gmail.com

عن الكاتب:
إعلامي