عادي
يكتب أفضل أعماله في صحبة مرض شرس

«مغزى القراءة».. قصة مؤثرة لموت متوقع

16:51 مساء
قراءة 3 دقائق
بيتر شتاينس
القاهرة: «الخليج»
أصدرت دار مصر العربية للنشر والتوزيع كتاب الهولندي بيتر شتاينس «مغزى القراءة»، ترجمة محمد رمضان حسين. ولهذا الكتاب قصة يحكي المؤلف طرفاً منها، وتبدأ حين تم تشخيص حالته الصحية: مشاكل في الصوت، وأزمات في التنفس أثناء الجري، وكلام متلعثم، ثم تبين أن كل هذا نتيجة مرض التصلب الجانبي الضموري، حيث تموت الخلايا العصبية التي تغذي العضلات.
عرف بيتر شتاينس المولود في 6 أكتوبر 1963 والمولع بقراءة الأدب في صيف 2013 أنه مصاب بمرض التصلب الجانبي الضموري، وأن حياته ستنتهي قريباً، وبعد ستة أشهر بدأ كتابة مقالة أسبوعية في إحدى الصحف، ربط فيها مسار مرضه بالكتب التي قرأها، أو أعاد قراءتها، فأصبح كافكا وديكنز وشكسبير، وشيمبورسكا وخمسون كاتباً آخرين، رفقاء رحلته.
في «مغزى القراءة» يصف شتاينس تدهور حالته الجسدية، ورحلته مع المؤسسات الطبية ببساطة ومرح، وتعد الكلاسيكيات مثل «كونت دو مونت كريستو» و«مذكرات هادريان» و«أبلوموف» و«الجبل السحري» و«سباعية المكتب»، نقطة البداية للتأمل في العجز والفراق والاستسلام والألم، وأيضاً في الأشياء الجميلة التي ينطوي عليها مرض مميت، فالقراءة بصحبة التصلب الجانبي الضموري ليست مجرد قصة مؤثرة لموت متوقع، لكنها أيضاً نظرة استثنائية على الأدب العالمي، إنه كتاب عن عزاء القراءة ومغزاها.
بدأت الحكاية فعلياً حين أعطت إحدى زميلات شتاينس له مقالاً بعنوان «شاليه الذكريات» لتوني جدت، وكان جدت قد كتب ضمن أعمال أخرى، «تاريخ أوروبا منذ عام 1945 حتى الوقت الحاضر» عندما أصيب بالمرض ذاته، وكان قد ألف النص في رأسه، ثم أملاه؛ لأن أطرافه باتت مشلولة بالفعل.
لم يتمكن جدت من التحرك بعد عامين من التشخيص، وإن كان لا يزال قادراً على التحدث والشرب، وكان شتاينس يتناول الطعام عبر أنبوب، ويلتقط أنفاسه من آلة، ويتحدث بواسطة آيباد، لكن أصابعه كانت تتحرك بسرعة على لوحة المفاتيح، كانت وظائف جسده تتدهور باستمرار.
أبلغ شتاينس الصحف اليومية من خلال الكتابة عن مسار مرضه، بداية من ربيع 2015 وكتب 52 عموداً صحفياً نشرت كسلسلة تحت عنوان «قراءات بصحبة التصلب الجانبي الضموري» وظهرت لاحقاً في كتاب، وإذا كانت ذكريات توني جدت وسيلة لتصفية رأسه، وتمضية الليالي الطوال بشكل مثمر، فإن مقالات شتاينس كانت سبباً وجيهاً لإعادة قراءة عدد من كتبه المفضلة مرة أخرى، وإضافة إلى ذلك أتاحت الكتابة فرصة متابعة رائعة ودقيقة لحالة تدهور جسده، ورحلته مع المؤسسات الطبية.
يقول المؤلف: «قد لا تعطي الكتب إجابة محددة عن إمكانية منح الأدب العزاء في المواقف الصعبة، لكن بالنسبة لي على الأقل، ثبت بالتأكيد أن الكتابة عن الأدب معزية للغاية». ويعود بذاكرته إلى الإعلانات التي كانت تتناول التصلب الجانبي الضموري، ومنها نصوص تقول: «أنا في عداد الموتى منذ الآن» كان المرض نادراً، والتشخيص غير صحيح باستمرار، حتى إن المؤلف يقول: كانت الأخبار السيئة ترتبط لدي دائماً بمشاهد مثل «الوقوع في ثقب أسود» أو «تنشق الأرض من تحتي».
كان في التاسعة والأربعين، لكنه كان يبدو أكبر من ذلك، ويقول: «عشت حياة طيبة، ثلاثون سنة سعيدة مع زوجتي وطفلين أصحاء، وثلاث وظائف، وعشرة كتب مؤلفة، كنت محظوظاً جداً في حياتي لعدم خضوعي إلى سوء الحظ».
وهنا يرى أن وفاة سقراط بالسم تكاد تشبه نسخة فائقة السرعة من معدل مسار التصلب الجانبي الضموري، أولاً تفقد السيطرة على ذراعيك وساقيك، وفي النهاية تموت بسبب شلل عضلات تنفسك، حتى إنه تلقى رسالة من زميل قديم، يخبره فيها بالتشابه بين مصيره ومصير سقراط.
في مشهد أخر يرى المؤلف أن «صورة دوريان جراي» لأوسكار وايلد، هي أكثر وصف موح للشيخوخة المفاجئة في الأدب، حيث يعد مرض التصلب الجانبي الضموري مرضاً خاصاً؛ لأنه نادر وقاتل، فقط ثمانية من كل 100 ألف شخص يصابون به، وعلى الرغم من سلبياته فإنه لا يهاجم الدماغ، لكن العديد من المرضى يشيخون بوتيرة سريعة.
من بين أعمال كافكا تظل قصته «فنان الجوع» الأفضل بالنسبة للمؤلف، وهو ليس فنان جوع، لكنه مرشح مثالي لفقدان الوزن؛ إذ فقد 22 كيلوغراماً في تسعة أشهر، أكثر من ربع وزنه، في المقام الأول لأن أنسجة عضله تتراخى، ولأنه لا يحب الطعام والخبز، وصار يشعر بالغثيان من القهوة، وكان قد حصل على كتاب بعنوان «حساء كافكا» الذي يحتوي على وصفات طبخ في شكل معارضات أدبية، ووضعه ضمن قائمة كتب أسماها «كتب تسيل اللعاب».
في أحد مقالات الكتاب يفكر شتاينس بحنين في الأيام التي كان لا يزال فيها قادراً على تحريك أصابعه، والجلوس إلى الكمبيوتر بدون تنفس اصطناعي، والذهاب إلى الحديقة بدون كرسي متحرك.. الزمن الذي كانت لديه طاقة وتركيز لقراءة كتاب.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"