صور نهاية الأسبوع

01:15 صباحا
قراءة دقيقتين

يوسف أبو لوز

نحن لا نختار، عفوياً، وبطريقة مباشرة طاولة في حدّ ذاتها حين ندلف إلى مطعم أو مقهى أو مكان عام فقط، بل، ونختار أيضاً المكان بعينه في شارع أو في ساحة أو في ميدان المدينة أو وسط البلد كما يقولون، وعادة ما نختار مكاننا هذا بعناية جمالية أولاً، كأن ننظر إلى موقعه وإلى نظافته ومكوّناته الديكورية أو البنائية، ولكن قبل ذلك ثمة جاذب غامض لدى كل منّا يلعب دوره في العثور على المقهى الذي نختار، ومرة ثانية، في وسط البلد، أو في أي مكان من المدينة التي نعطيها كل ذواتنا وكل أشواقنا حين نزورها، أو نمر بها مرور الكرام، كما يقولون.

وسط البلد في كل مدينة في العالم هو سرّة وسرّ وسريرة ذلك المكان الذي تتكثّف في المدينة كلّها.. الباعة، الرصيف، المقاهي، المكتبات، الأكشاك، المطاعم. باعة العربات الخشبية، وباعة الرصيف. محال الملابس والذهب والصرافة. المتسوّلون. اللصوص. اولئك الذين يُطلق عليهم «الفهلويّة».كلما أزور تونس أذهب مباشرة إلى مقهى شعبي صغير يقع في إحدى الدخلات المتفرّعة عن شارع بورقيبة، حيث التوانسة البسطاء بين الصمت والضحك والهرج والنكتة والحكمة إلّا في حدودها المتاحة.

هنا أو هناك أطلب قهوةً وماءً وأكتب. لا يعرفني أحد، ولا أعرف أحداً. فقط يعرفني النادل بفراسته وحفظه اليومي للوجوه التي يقرأها في المقهى كل يوم. وأخيراً. أصبح صديقه.. أنا الآن في تونس سي يوسف.. وماذا تكتب يا سي يوسف؟؟. أكتب أو ما يشابه الشعر. أتكتب في الحب؟؟.. أحياناً. ولماذا تحب تونس؟؟، لأنها الخضراء، ولأن قلوب أهلها خضراء أيضاً؟؟.

في كل حياتي وحتى الآن. في شبابي الأول وفي ما تبقّى لي ممّا يشبه الشباب لم ألعب الورق ولا النرد. ولم اثرثر على مقهى مدّعياً النظرية والفكرة. فقط ألوذ بصمتي وتأمّلي. هذا يرمي حجر النرد، وذاك يضع كل حدوسه في ورقة اللعب. ووسط البلد يعج بالمقاهي والكتب وحلوى الكنافة. تلك الكنافة النابلسية الساخنة بالقرب من كشك «أبو علي» في وسط عمّان.

ولن تجد تلك الكنافة الشتوية الصباحية إلّا هنا، وفي كل وسط بلد ستبحث عن حلوى. حلواك أنت أيها الشاب الذي يدور به زمنه وتدور به الكتابة في كل مكان، وفي كل زمن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"