نهاية الهيمنة

00:49 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

بعض الفلاسفة والكتاب مثل فرانسيس فوكوياما، يكتبون وفق رغباتهم أو معتقداتهم السياسية؛ بل إنهم يتحدثون عن حتميات وكأنها أمر واقع لا مفر منه. وعندما تحدث فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الآخر» الذي صدر عام 1989، أطلق يومها موجة من المسلّمات عن نهاية حقبة تاريخية، وبداية حقبة تاريخية أخرى، تتكرس فيها حتمية انتصار الديمقراطية الليبرالية كصيغة نهائية للبشرية؛ أي إعلان الانتصار النهائي للرأسمالية على مختلف الأفكار الإنسانية الأخرى، بغض النظر عن كيفية تجلي هذه المبادئ، في حين كان العالم لا يزال وسط معركة تغييرات كبرى لم تتحدد معالمها بعد.

لكن فوكوياما استند  في ما يبدو  إلى حالة تفسخ الاتحاد السوفييتي، ومن ثم انهياره في ذلك الحين، ليبني على ذلك موقفه، ويكتب نهاية لمرحلة تاريخية، وبداية لمرحلة تاريخية نهائية تكرس نهاية الشيوعية وانتصار الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة، وبالتالي تتبوأ قيادة النظام العالمي إلى ما لا نهاية.

لم يدرك فوكوياما أن حركة التاريخ لا تتوقف، وأن انتصار فكرة ما في مرحلة معيّنة، لا يعني الانتصار النهائي. فحركة التاريخ في حالة هبوط وصعود مستمرة، وما قاله هو تفسير مبالغ فيه لانهيار الاتحاد السوفييتي. 

إن ما يجري في العالم اليوم من حروب وصراعات وتنافس، هو إيذان بمرحلة تاريخية جديدة تتعارض بالمطلق مع ما طرحه فوكوياما، وتنبئ بتشكيل نظام دولي جديد لن تكون الولايات المتحدة وحدها هي من يتسيّده، فهناك قوى أخرى تتقدم وتحقق إنجازات كبرى اقتصادية وسياسية وعلمية، وتمتلك قدرات عسكرية، وتتنافس كي يكون لها دور وموقع في النظام الجديد، مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وغيرها. وما الحرب في أوكرانيا، والصراع المحتدم بين الصين والولايات المتحدة، إلا إرهاصات لقيام نظام عالمي جديد تحاول الولايات المتحدة تأخير قيامه فقط؛ لأنها فقدت قوتها المطلقة، وبدأت مرحلة انحدار تؤكده كل معطيات السنوات الأخيرة.

وعندما يتحدث رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وهو من عتاة أنصار الولايات المتحدة وهيمنتها، عن نهاية هذه الهيمنة في ظل صعود الصين لتكون قوة عظمى، بالشراكة مع روسيا، فذلك اعتراف واضح بالتغيير في المشهد العالمي، وبأن نهاية التاريخ وفق مفهوم فوكوياما، غير صحيحة بالمطلق. يقر بلير بأننا «نشهد نهاية الهيمنة السياسية والاقتصادية الغربية، وأن العالم سيصبح ثنائي القطب على الأقل أو متعدد الأقطاب، وأن التغيير السياسي الأكبر سيأتي من الصين وليس من روسيا».

العالم في مرحلة تحوّل حقيقية، فهو يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب من خلال قيام توازنات جديدة في القوة والأدوار، وقد يأخذ ذلك وقتاً؛ لأن الولايات المتحدة لن تتنازل عن قيادة النظام العالمي بسهولة؛ بل ستقاوم بكل ما تبقى لها من قوة، لكن نهاية الهيمنة الغربية حتمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"