عادي

انفجار مرفأ بيروت بين تحقيق العدالة والإفلات من العقاب

17:41 مساء
قراءة 3 دقائق
مروحية تحاول إخماد النيران في مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 (ا ف ب)
مروحية تحاول إخماد النيران في مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 (ا ف ب)
عامان كاملان مرا على واحدة من أكبر جرائم العصر حين هز انفجار هائل مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020، ترددت أصداؤه في قبرص، وأحدث دماراً أشبه بالحروب الكبرى أو الكوارث الطبيعية، مغيراً وجه العاصمة اللبنانية، وموقعاً أكثر من 200 قتيل و6500 جريح، وقيل حينها إنه ناجم عن تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون اجراءات وقاية، إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه، ليتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكناً.
في ذلك اليوم المشؤوم، والذي يحيي اللبنانيون ذكراه الثانية، بعدما استفاق جزء منهم من غيبوبة الصدمة التي ألمت بهم فيما البعض الآخر لا يزال حتى اللحظة يعيش في ظل تداعيات صدمة نفسية «تروما» لا يبدو أنه سيخرج منها في وقت قريب، طالما أن هناك من لا يزال يعمل على طمس الحقيقة بدلاً من إظهارها على الملأ، وطالما أن العدالة لم تتحقق وأن المجرمين الحقيقيين يجيدون ممارسة الإفلات من العقاب.
  • التعطيل المتعمد
بقدرة قادر أصبحت كل الطبقة السياسية داخل السلطة وخارجها تطالب بسوق المجرمين الذين لا يزالون مجهولين إلى العدالة، وكأن هذه الطبقة السياسية تريد إبعاد التهمة عن نفسها، ومن أجل النفاد بجلدها استحثت كل براعتها لتعطيل القضاء ومنع استكمال التحقيق الذي تطالب به الأغلبية الساحقة من اللبنانيين والمجتمع الدولي، تارة بذريعة التسييس وأخرى عن طريق رفع دعاوى واهية تطالب بكف يد هذا المحقق العدلي أو ذاك. وفي سبيل ذلك كفت يد بعض القضاة والمحققين العدليين وسلمت ملف التحقيق من قاض إلى آخر، حتى وصل الأمر إلى تعطيل «محمكة التمييز» ذاتها نهائياً بذريعة عدم اكتمال النصاب بسبب خروج أحد أعضائها إلى التقاعد. بات واضحاً للقاصي والداني أن الطبقة السياسية اللبنانية برمتها لا تريد تحقيقاً يدينها بارتكاب جريمة ضد الإنسانية من نوع كارثة المرفأ، وهي الغارقة حتى أخمص قدميها في سلسلة الكوارث والانهيارات التي لحقت بالشعب اللبناني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً وصحياً، وبالتالي فهذه الطبقة السياسية تبذل كل ما في وسعها للإفلات من العقاب وليس الكشف عن الحقيقة... وحدهم أهالي الضحايا الذين بحت أصواتهم في شوارع بيروت وترددت أصداء هذه الأصوات في شتى أرجاء العالم، وهي تطالب بتحقيق دولي شفاف لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة، لكنها توقفت عند أبواب القادة اللبنانيين الذين رفضوا التشكيك في تحقيقاتهم وقضائهم العادل والسماح للأجانب بالتدخل في شؤون لبنان الداخلية.
  • التحقيق الدولي
حسناً، التحقيق اللبناني متوقف والقضاة مغيبون ولم ينشط على مدار عامين سوى خلال فترات محدودة لم يحقق خلالها أي شيء قبل أن يتوقف، فيما المجتمع الدولي كله والأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومعها أهالي الضحايا.. الجميع يطالبون بتحقيق دولي بعد أن فقد الجميع أيضاً ثقته بالقضاء اللبناني والمحققين الدوليين اللبنانيين.
يحيي اللبنانيون اليوم ذكرى مرور عامين على ذلك اليوم المشؤوم، ولا تزال تلك اللحظة «القاتلة» تعيش في أذهانهم، خصوصاً بعدما استعادوا كلّ تفاصيل الذكريات الأليمة والقاسية قبل أيام، مع انهيار أجزاء من صوامع الحبوب في المرفأ، لتعود إليهم صدمة ربما تكون «باهتة» هذه المرّة، ولكنها أيقظت المشاعر والأحاسيس، مرة أخرى، ومعها الحقائق المرّة. هولاء اللبنانيون لن يسقطوا أبداً انفجار المرفأ من ذاكرتهم الحية، مهما حاولت السلطة تضليل العدالة والالتفاف على التحقيقات، لكنهم أدركوا تماماً أنه بعد عامين من إهمال السلطة وعدم مبالاتها وتحويل جريمة بحجم انفجار المرفأ إلى قضية هامشية من دون أي مراعاة لهم ولعائلات الضحايا سلطة لم تعد تستحق أي احترام.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"