عادي

تمديد الهدنة في اليمن.. خطوة نحو الحل

23:16 مساء
قراءة 4 دقائق
2

د. أحمد سيد أحمد *

بعد مخاض عسير أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرج عن تمديد الهدنة في اليمن للمرة الثالثة لمدة شهرين، من أول أغسطس وحتى أول أكتوبر المقبل، وبنفس الشروط السابقة، مع التأكيد على العمل مع الطرفين من أجل التوصل إلى اتفاق هدنة موسع في أسرع وقت، وهو ما يمثل خطوة إيجابية لما لها من تداعيات مهمة على المشهد اليمنى خاصة الأوضاع الإنسانية.

ساهمت الهدنة في نسختها الأولى والثانية في تداعيات إيجابية على الشعب اليمنى الذي يعاني تدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر وانعدام الخدمات الأساسية من مياه نظيفة وكهرباء خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثي، وانتشار الأمراض خاصة الكوليرا في ظل ضعف أو غياب للمستشفيات والمراكز الصحية، وقد ساهم وقف الأعمال القتالية في تخفيف المعاناة نسبياً عن الشعب اليمنى، حيث وفقاً لبنود الهدنة، تم تسيير رحلتين أسبوعياً من مطار صنعاء لكل من القاهرة وعمّان وهو ما ساعد في تمكن آلاف اليمنيين خاصة من المرضى وأصحاب الحالات الخاصة من المغادرة وتلقي العلاج في مصر والأردن. كما أن السماح بدخول الشاحنات التجارية إلى ميناء الحديدة ساهم أيضاً في توفير الدعم من الوقود، وبالتالي تخفيف أزمة الطاقة في البلاد، كذلك إدخال ملايين الأطنان من الحبوب والمساعدات الغذائية وهو ما يمثل أهمية كبيرة في ظل اعتماد أكثر من 80% من الشعب اليمنى على المساعدات الخارجية.

كما سمحت الهدنة بإيجاد بيئة من الاستقرار الأمني النسبي، رغم خروق الحوثي المتكررة، خاصة فيما يتعلق بقيام مجلس القيادة الأعلى بقيادة رشاد العليمي بإعادة ترتيب الأولويات والعمل على تحسين الأوضاع المعيشية والخدماتية في المحافظات اليمنية التي تسيطر عليها الشرعية.

من الإنساني إلى السياسي:

تمديد الهدنة لفترة ثالثة يمثل إنجازاً في حد ذاته لأنه يعكس رغبة من طرفي النزاع ومن المجتمع الدولي في وقف الحرب وأعمال القتال بعد قناعة الجميع بأن الحل العسكري لا يمكن أن يحقق أية أهداف وأن التسوية السياسية التوافقية هي السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمنى.

فالهدنة حتى الآن تركز على الجانب الإنساني في فتح المعابر وتسيير التنقل بين المحافظات وتسيير الرحلات من مطار صنعاء وإدخال المساعدات الإنسانية والوقود عبر ميناء الحديدة، وهذا يعد أمراً إيجابياً، لكن تظل القضية الأساسية هي كيفية التحول من الإنساني إلى السياسي وإنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق سلام، يساهم في الحفاظ على وحدة واستقرار اليمن وتقوية الدولة اليمنية ومؤسساتها الشرعية، فالخطورة هي أن يتحول تمديد الهدنة إلى هدف في حد ذاته وأن تظل الأوضاع في اليمن كما هي عليه.

لقد أصبحت الظروف مواتية في اليمن أكثر من أي وقت مضى خاصة بعد نجاح تمديد الهدنة لفترة ثالثة والترحيب الإقليمي والدولي الواسع بها، حيث رحبت بها كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج، كما رحبت مصر والدول العربية الأخرى وكذلك الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي إضافة إلى ترحيب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وكذلك ترحيب مجلس الأمن الدولي بها، وهذا التأييد الدولي الواسع يمكن توظيفه للتوصل أولاً إلى اتفاق هدنة موسع ودائم وثانياً الانخراط في المفاوضات بين الأطراف اليمنية المختلفة لتحقيق التسوية السياسية التي تنهي الأزمة اليمنية وتطوي أكثر من عقد من الزمان من الحرب والصراع والانقسام والذي دفع ثمنه بالأساس الشعب اليمنى، وأن يرتكز الحل السياسي على المرجعيات الثلاث: قرار مجلس الأمن الدولي 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار اليمنى، وهو السبيل الوحيد لحل الأزمة، خاصة مع استعداد مجلس القيادة للحل السياسي وإعطائه الأولوية وتشكيل وفد للتفاوض مع ميليشيات الحوثي.

تحديات وإشكاليات

لكن رغم الأجواء الإيجابية النسبية التي صاحبت تمديد الهدنة والترحيب الإقليمي والدولي الواسع بها، إلا أن هناك عدداً من الإشكاليات والتحديات التي تواجه الحل السياسي وتتمثل في:

أولاً: استمرار تعنت الحوثي ورفضه لكل مبادرات السلام وآخرها المبادرة التي قدمتها السعودية منذ شهور، حيث تسعى ميليشيات الحوثي لفرض سياسة الأمر الواقع ورفض تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي يطالب بإنهاء كل مظاهر الانقلاب الحوثي في عام 2014 والعودة للأوضاع السابقة، كما أن ميليشيات الحوثي تعمل على تنفيذ أجندات خارجية وفقاً لاعتبارات إيديولوجية وطائفية تتعارض مع المصلحة الوطنية.

ثانياً: تماطل ميليشيات الحوثي وتتعنت في تنفيذ بنود اتفاق الهدنة وأبرزها فتح المعابر ورفع حصارها عن المدن اليمنية، خاصة مدينة تعز، حيث لم يحدث أي تقدم بعد مرور أربعة أشهر على بدء الهدنة رغم عقد اجتماعين في الأردن بين طرفي الأزمة، لكن التعنت الحوثي مستمر وهو ما يفاقم من معاناة اليمنيين سواء داخل تعز أو في المدن الأخرى. كما أن ملف الأسرى والمفقودين ما زال يراوح مكانه رغم تشكيل لجنة لبحث الملف والاتفاق على الإفراج عن 2233 أسيراً إلا أن الحوثي أيضاً ما يزال يتعنت في معالجة هذا الملف.

ثالثاً: قبل الحوثي بالهدنة ليس رغبة منه في الحل السياسي الشامل وإنما في توظيف الهدنة لإعادة ترتيب صفوفه وتعويض خسائره البشرية والعسكرية الكبيرة، وهو ما يلقي بالشكوك حول رغبته وجديّته في الحل السياسي، خاصة مع انتهاكاته المستمرة للهدنة واستهداف المدنيين، كما حدث في هجومه على مأرب بعد أيام قليلة من تمديد الهدنة.

رابعاً: رغم الترحيب الأمريكي والدولي بالهدنة والرغبة في الحل السياسي، إلا أنه لا يوجد تحرك أمريكي حقيقي على الأرض سواء من جانب إدارة بايدن أو من جانب الأمم المتحدة للضغط على الجانب الحوثي ودفعه إلى المفاوضات وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي، وهو ما يعني أن المجتمع الدولي أصبح جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل، حيث يركز بالأساس على الجانب الإنساني في الأزمة، كما أنه يساوى بين الشرعية الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي وبين الميليشيات الانقلابية.

وبالتالي يمكن توظيف الهدنة والانتقال من الجانب الإنساني إلى الحل السياسي لكن بشرط أن يتحرك المجتمع الدولي والدول الكبرى بصورة جادة وحقيقية للضغط على الجانب الحوثي لإنهاء الأزمة اليمنية.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"