جبال وحجارة وفول مدمّس

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

يوسف أبو لوز

تقول «ويكيبيديا»، ولا أثق بها دائماً، إن اسم عاصمة أذربيجان، باكو، يعني بالفارسية المدينة التي تضربها الرياح، لكن عشرة أيام في المدينة المطمئنة على ذراع بحر قزوين لم تعصف بها الرياح في تلك الزيارة القصيرة، وكان أخطر ما في ذلك السفر تلك الأفاعي التي كثرت إشارات التحذير منها في أحد الجبال البعيدة عن العاصمة، ولم يكن اقتراح الذهاب إلى الجبال نابعاً من كاتب هذه السطور، بل كان إعلاناً صغيراً على بوّابة مكتب سفريات يشجع على رؤية الجبال بعيداً عن باكو المزروعة بحقول النفط.

ليست الجبال جميلة دائماً وبخاصة إذا كانت نائية ومملوءة بالأفاعي، ومع ذلك، فلكل مكان جمالياته.

أخذت أحدّق في الحجارة أولاً، ونسيت الأفاعي، ورحت أتخيل نحّاتين قوقازيين قدامى كانوا هم من جلبوا هذه الحجارة على خيولهم الجبلية القوية، ورحت أستعيد شيئاً من شعر رسول حمزاتوف بلغته الجبلية الآفارية، وروحه الفلّاحية الوارفة مثل ظلال الشجر.

صاحبي في الرحلة الجبلية راح هو الآخر يتخيل نحّاتين آخرين في هذا الفضاء الجبلي الساكن.

أخذنا نؤاخي الجبل حتى أن شاعراً في الرحلة أخذ يقول: «آنستُ حَجَراً، آنستُ حَجَراً»، وإذ برفيق آخر يردد بيت تميم بن مقبل:

ما أطيبَ العيش لو أن الفتى حَجَرٌ تنبو الحوادث عَنْهُ وهو مَلْمُومُ

وأخذ رفيق آخر يشرح بيت الشعر العربي هذا لصديقته الأوروبية الشقراء التي فتنت بالحجارة، والأفاعي.

قبيل الغروب عدنا إلى باكو، ومن فوري اتخذت مكاناً قصياً في مطعم عربي، فما أكثر المطاعم العربية اليوم في العالم وبخاصة بعد الهجرات القسرية والإرادية لبعض أصحاب رؤوس المال العرب الذين كانوا يبحثون عن الكرامة في المكان والكرامة في اللقمة، فشدّوا رحالهم إلى أوروبا التي ملأوها بالمطاعم، والدموع.

قبل أيام ظهرت مسؤولة إعلامية في بكين تقول إن تايوان مقاطعة تابعة للصين، فهي مملوءة بالأكل والمطاعم الصينية، فهل إذا كثرت مطاعم الفول المدمّس والفلافل في إيطاليا نقول إن روما أصلها مصري؟ وهذه هي طبيعة بعض المسافرين في الصيف وغير الصيف، يبحثون عن الأكل الأجنبي في بلادهم، وفي أوُروبا يبحثون عن الأكل العربي، ولا ندري أهو انتماء أم هو حنين يتمثلان هكذا في ثقافة المائدة والطعام؟

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"