«ربع كيلو» ديمقراطية

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

تكتسب الانتقادات الموجهة للأحزاب السياسية في العالم العربي مصداقية وأهمية كبيرة من واقع طبيعة عمل هذه الأحزاب وجذور تكوينها، إضافة إلى جسامة المهام الملقاة على عاتقها في قيادة عمليات التحول الديمقراطي.

وبينما تبدو عملية حصر كافة الانتقادات الموجهة إلى الأحزاب السياسية صعبة في هذه المساحة الصغيرة ، فإنه من الممكن إيراد ملخص لأهم الإشكاليات التي يعتبر النقاد والخبراء والمتابعون أنها تواجه الأحزاب السياسية وتعرقل مسيرتها في قيادة التحول الديمقراطي أو تحولها هي نفسها عائقاً وحجر عثرة في طريق التحول الديمقراطي في بلادها.

فالأحزاب العربية تقاوم دعوات الإصلاح والتجديد؛ بل إنها في أحيان كثيرة تعادي دعوات الإصلاح. وعلى الرغم من عثراتها البائنة، فلم نشهد سابقة لقيادات حزبية أن أجرت عمليات مراجعة للأداء السياسي والفكري ضمن برنامج للإصلاح. أما الأصوات التي تنطلق من داخل تلك المؤسسات وتطالب بالإصلاح، فإنه يتم قمعها وتهميشها وطردها في نهاية الأمر، تحت دعاوى واتهامات شتى.

والديمقراطية هي نظام جيد للحكم في مقابل النظام الشمولي أو نظام الحزب الواحد. وتشكل الأحزاب قلب النظام الديمقراطي. فهو في الأساس نظام للتعددية ومبدأ لتداول السلطة وحماية الحقوق والحريات. ولا تملك الديمقراطية فرصة للنجاح من دون وجود أحزاب متنافسة. لكن مجرد وجود هياكل حزبية لا تمتلك «ربع كيلو من الديمقراطية» لا يعني بالضرورة نجاح التجربة الديمقراطية. فالأحزاب يجب أن تكون مرآة نرى في داخلها مبادئ ومثل ومعايير الحياة الديمقراطية. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تؤهلها لقيادة المسار الديمقراطي الناجح.

ترفع الأحزاب السياسية العربية شعار الديمقراطية وتعتبر أنها الممثل الرسمي والشرعي والوحيد لهذا الشعار. وهي تكافح لاستعادة الحياة الديمقراطية لتحل محل النظم الشمولية. وتقول في شعاراتها المرفوعة إنها تسعى لتطبيق أنظمة ديمقراطية نموذجية وخالية من كل العيوب. ديمقراطيات على غرار الأنظمة الناجحة في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها. وهذا طموح جيد.

ولكن هل فكرت أحزابنا يوماً في مراكمة رصيد من ممارسة المبادئ الديمقراطية داخل مؤسساتها يقترب من مستوى ماهو موجود عند أحزاب لندن وباريس ونيويورك؟ إن واحدة من أسباب غياب وتغييب الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب العربية يتمثل في واقع نشأتها الأولى. فبعضها مثقل بولاءات طائفية تعلو على الولاء الوطني، وبعضها الآخر مؤسس على عقائد فكرية معادية لمبادئ الحكم الديمقراطي نفسه. كما أن بعض الأحزاب تضع نفسها رهينة لأجندات قبلية وجهوية وولاءات دينية إقصائية. وهناك واقع الانشقاقات الكثيرة والعجز عن إدارة الخلافات داخل الحزب الواحد.

ولدى الأحزاب مشكلة مزمنة في تطبيق مبدأ تداول السلطة داخل أروقتها القيادية. وقادة الأحزاب العربية يظلون في مناصبهم حتى وفاتهم. أما المؤتمرات العامة السنوية المخصصة لانتخاب القيادات ومنحها الشرعية، فإنها لا تجري إلا كل عقدين من الزمان. وتشيخ أجيال من الشباب من دون أن تجد فرصة للوصول إلى مناصب قيادية.

إن الأحزاب مطالبة بالتحلي بالشجاعة لإحداث ثورة إصلاح وتغيير تشمل الهياكل والأفكار والخطاب السياسي حتى تتأهل لقيادة الحكم الديمقراطي باتجاه النجاح وليس الفشل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"