صندوق النقد الدولي ومواجهة الأزمات

22:15 مساء
قراءة 3 دقائق

د. علي توفيق الصادق*

تواجه الدول، غنيها وفقيرها، أزمات اقتصادية ومالية وبيئية واجتماعية ومناخية. أسباب الأزمات متنوعة ومعقدة، ويمكن أن تكون مصادرها محلية أو خارجية أو الاثنين معاً. تتضمن العوامل المحلية في مجالي الاقتصاد والمال اتباع سياسات مالية ونقدية غير ملائمة من شأنها إحداث اختلالات اقتصادية كبيرة تتجسد في العجز الكبير في الحساب الجاري في ميزان المدفوعات أو في الميزانية العامة، وارتفاع مستويات الدين الخارجي؛ واعتماد سعر صرف ثابت عند مستوى غير ملائم، مما قد يضر بالتنافسية ويقود إلى حالة مزمنة من عجز الحساب الجاري وتآكل الاحتياطيات الرسمية؛ وضعف النظام المالي الذي يمكن أن يخلق دورات انتعاش وركود في النشاط الاقتصادي. كذلك يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي و/أو ضعف المؤسسات إلى حدوث الأزمات عن طريق مفاقمة جوانب الضعف في الاقتصاد. أما العوامل الخارجية للأزمات فتتمثل في الصدمات التي تتراوح بين الكوارث الطبيعية والتقلبات الكبيرة في أسعار السلع الأولية، وهي أسباب شائعة للأزمات، وخاصة في البلدان منخفضة الدخل ذات القدرة المحدودة على الاستعداد لمثل هذه الصدمات والتي تعتمد على مجموعة ضيقة من منتجات التصدير. وإضافة إلى ذلك، ففي اقتصاد تتزايد فيه العولمة، يمكن أن تؤدي التغيرات المفاجئة في مزاج المتعاملين في الأسواق إلى تقلب التدفقات الرأسمالية. وحتى البلدان ذات الأساسات الاقتصادية السليمة يمكن أن تتضرر بشدة من أثر الأزمات والسياسات الاقتصادية في البلدان الأخرى. وجائحة «كوفيد-19» هي مثال آخر لصدمة خارجية تؤثر في البلدان في مختلف أنحاء العالم. وسواء كان منشأ الأزمات محلياً أو خارجياً، فمن الممكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة عديدة. فقد تطرأ مشكلات في ميزان المدفوعات إذا عجز البلد عن سداد قيمة وارداته الضرورية أو أداء مدفوعات خدمة ديونه الخارجية. وتنشأ الأزمات المالية عن افتقار المؤسسات المالية إلى السيولة أو تعرضها للإعسار. أما أزمات المالية العامة فتنشأ بسبب عجز المالية العامة المفرط وثقل الديون. والبلدان التي تستعين بالصندوق هي التي غالباً ما تكون تحت وطأة أكثر من نوع من الأزمات بسبب انتشار التحديات التي تواجه قطاعاً واحداً إلى مختلف أجزاء الاقتصاد. ويترتب على الأزمات عموماً حدوث تباطؤ حاد في النمو، وارتفاع في البطالة، وانخفاض في مستويات الدخل، وزيادة في عدم اليقين، مما يفضي إلى ركود عميق. وفي حالة الأزمات الحادة، قد يصبح التوقف عن السداد أو إعادة هيكلة الدين السيادي أمرين لا يمكن تجنبهما. في ظل الأزمات، يلعب صندوق النقد الدولي دوراً مهماً في مساعدة الدول الأعضاء في تخفيف آثار الأزمات من خلال تقديم قروض الهدف منها هو إعطاء البلدان الأعضاء فرصة لالتقاط الأنفاس حتى تنتهي من تنفيذ سياسات تصحيحية منظمة تستعيد بها الظروف الملائمة لاقتصاد مستقر ونمو مستدام. وتختلف هذه السياسات حسب ظروف كل بلد. فعلى سبيل المثال، قد يحتاج البلد الذي يواجه هبوطاً مفاجئاً في أسعار صادراته الأساسية إلى مساعدة مالية وهو يمر بمرحلة تنفيذ تدابير لتقوية اقتصاده وتوسيع قاعدة صادراته. وقد يحتاج البلد الذي يعاني من خروج التدفقات الرأسمالية بشكل حاد إلى معالجة المشكلات التي أدت إلى فقدان ثقة المستثمرين. فقد تكون أسعار الفائدة شديدة الانخفاض أو عجز الموازنة ورصيد الدين يتناميان بسرعة كبيرة أو النظام المصرفي غير كفء أو ضعيف التنظيم. وفي غياب تمويل من صندوق النقد الدولي، يمكن أن تكون عملية التصحيح في البلد المعني أكثر حدة وصعوبة. فعلى سبيل المثال، إذا انصرف المستثمرون عن تقديم تمويل جديد، يصبح الخيار الوحيد هو التصحيح – وهو ما يتم في الغالب من خلال عملية موجعة لتخفيض الإنفاق الحكومي وتقليص الواردات والنشاط الاقتصادي. ويؤدي التمويل الذي يقدمه الصندوق إلى تيسير القيام بعملية تصحيح أكثر تدرجاً وتحرياً للدقة. ولما كانت قروض الصندوق تقترن في العادة بمجموعة من السياسات التصحيحية، فإنها تقدم أيضاً ختم الموافقة على ملاءمة ما يتم تنفيذه من سياسات.

*مستشار اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"