عض قلبي

00:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

دخلت الحرب في أوكرانيا شهرها السابع ولا يبدو في الأفق أن الأطراف المتصارعة لديها تصور متى وكيف ستنتهي. منذ بدأت الحرب كانت بريطانيا وحكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون من أكبر الداعمين لأوكرانيا. وإذا كانت الولايات المتحدة تقود التحالف الغربي الداعم لأوكرانيا فإن بريطانيا/جونسون هي وصيفة ذلك التحالف.

أكثر من زار كييف منذ بداية الحرب هو جونسون، ورغم الضائقة الاقتصادية في بريطانيا قدمت لندن الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا. بل إن حكومة المحافظين، التي أنجزت الخروج من أوروبا (بريكست) فتحت حدود البلاد لاستقبال الأوكرانيين بعشرات الآلاف، وطرحت برنامجاً لاستضافة الأسر البريطانية اللاجئين من أوكرانيا في بيوتها على أن تحصل على دعم حكومي مقابل ذلك.

الحقيقة أن الحكومة البريطانية لا تتصرف في هذا السياق بعيداً عن المزاج الشعبي العام. فالبريطانيون لا يكنون أي ود لروسيا، وبالتالي هم مستعدون لدعم أي موقف لحكومتهم في دعم أوكرانيا باعتبار ذلك دفاعاً عن أمنهم القومي وردعاً لأي طموحات روسية إلى الغرب من حدودها. ورغم أن العقوبات الغربية على روسيا زادت من حدة الأزمة الاقتصادية في بريطانيا،إلا أن أغلبية من البريطانيين كانت مستعدة للتضحية في سبيل منع موسكو من تحقيق انتصار على كييف.

طبعاً ذلك لا يمنع أن حماس الحكومة في دعم أوكرانيا كان له هدف سياسي داخلي آخر، هو التغطية على فشلها في حل مشاكل الاقتصاد وارتفاع كلفة المعيشة وأيضاً حرف الانتباه عن الفضائح التي طالت حكومة بوريس جونسون.

لكن مع استمرار الحرب والارتفاع الهائل في الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية في بريطانيا، بدأت أصوات تشكك في شعارات الحكومة بأن السبب في كل معاناة البريطانيين هو حرب أوكرانيا، فالناس يعرفون أن مشكلة التضخم والأسعار وعجز الميزانية سابقة على الحرب، وحتى دفاع الحكومة المستميت عن البريكست ونفي أنه مسؤول عن تراجع اقتصاد البلاد لم يعد مقنعاً للكثيرين.

هناك مثل قديم يقول إن الحريص دائماً يفكر بطريقة «عض قلبي ولا تعض رغيفي». وهذه حال البريطانيين مع انكشافهم على التضحيات الهائلة التي عليهم تحملها في سبيل دعم أوكرانيا والتصدي لروسيا. فلتكن قلوبهم مع الأوكرانيين، لكن ليس بالضرورة جيوبهم.

بدأ ذلك يظهر بوضوح بعد الأشهر الأولى من الحرب، فعلى سبيل المثال كانت نسبة البريطانيين المؤيدين لفرض عقوبات مشددة على روسيا في شهر مارس 45 في المئة مقابل 38 في المئة يعارضون مزيداً من العقوبات. وبحلول شهر يونيو، انقلبت النسب فأصبح أكثر من أربعين في المئة يعارضون فرض مزيد من العقوبات بينما أقل من ذلك بكثير من يؤيدونها.

كان هذا قبل الارتفاع الصاروخي الأخير في سقف سعر الغاز والكهرباء في فواتير الاستهلاك المنزلي التي تضاعفت خمس مرات في أقل من عام. ذلك في الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار الأخرى بشكل يومي ويؤدي ارتفاع معدلات التضخم إلى انخفاض القيمة الحقيقية للأجور.

ذلك ما دفع بوريس جونسون إلى كتابة مقال يطلب فيه من البريطانيين الاستمرار في التضحية مردداً أن روسيا هي المسؤولة عما هم فيه من شظف العيش. لكن في اليوم نفسه نشرت صحيفة الصنداي تايمز تحقيقاً موسعاً خلاصته أن البريطانيين أرهقتهم الحرب في أوكرانيا أكثر من غيرهم، وأنهم مع قرب دخول فصل الشتاء والملايين منهم لا يستطيعون تحمل كلفة تدفئة بيوتهم ليسوا على استعداد للتضحية أكثر.

بل إن الأسر البريطانية التي استضافت أكثر من مئة ألف أوكراني حتى الآن لم تعد مستعدة للاستمرار في البرنامج. وبدأت الأصوات تتعالى مطالبة بأن يكون دعم أوكرانيا هو السعي للوصول إلى حل سلمي وليس استمرار الحرب. حتى وزارة الدفاع البريطانية تقول إنه لم يعد هناك ما يكفي من أسلحة تقدم لأوكرانيا، وتوقع كثيرون أن يتوقف الدعم البريطاني تماماً قبل نهاية هذا العام في ظل الضغوط المالية على الميزانية في الوقت الذي يحتاج فيه ملايين البريطانيين لدعم مالي لتحمل كلفة المعيشة الآخذة في الارتفاع.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2rwuw2ha

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"