عادي

كورزيو مالابارته يغضب تروتسكي وهتلر

00:07 صباحا
الصورة

القاهرة: «الخليج»

ترصد رواية «الجلد» للروائي الإيطالي «كورزيو مالابارته» يوميات مدينة، أفسدت الحرب حياتها، مدينة كانت تقاتل في بسالة، فلما دخلها المنتصرون، أذلوا شعبها بالجوع والمرض، والمدينة هي نابولي، أول مدينة إيطالية، دخلتها جيوش الحلفاء في سبتمبر 1943، جيوش جائعة للشهوة والمتعة.

الرواية شهادة لصحفي إيطالي، دخل المدينة، بصحبة جيوش الحلفاء، تحت قيادة ضابط أمريكي، بعد استسلام إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، فهي يوميات حقيقية لكاتب حقيقي عن تجربة حقيقية، شاهد فيها عن قرب سلوك القوات الأجنبية والأمريكية، التي تدعي أن مهمتها «التحرير».

يقول: «كنت الضابط الإيطالي المرافق لجيش التحرير التابع للحلفاء، بعد أن استسلمت إيطاليا، وكنت أجوب المدينة يومياً مع صديقي الكولونيل الأمريكي جاك هاملتون، وكان منظرنا بملابسنا النظيفة، ووجوهنا التي يبدو عليها أثر الشبع، غريباً بين الأنقاض والجوع، وبين أهالي نابولي، ممزقي الملابس، الذين تنهال على رؤوسهم الشتائم، بجميع اللغات واللهجات في جيش التحرير».

«ورغم الأحوال السيئة التي كان يعيش في ظلها أهل نابولي، إلا أن أحداً منهم لم يكن يبدو عليه شعور المهزوم في حرب، فبعد سنوات من الحرب، وبعد الاستسلام، وبعد دخول جيوش الحلفاء، وبعد المرض الذي يأتي في أعقاب الحرب، مرض الطاعون، كان أهل نابولي لا يحسون أنهم قد خسروا الحرب».

كتب «ميلان كونديرا» عن الرواية: «كنت أنتظر عملاً، بالغ الضخامة، بالغ الملحمية، لكني لم أجد إلا عملاً قصيراً، يمتلئ بالوصف، مع التجلي المشهدي لثلاثة مشاهد، ظهرت كجزر منعزلة على السطح السردي للرواية».

نقد الفاشية

برغم رأي كونديرا السلبي، فإن الرواية بها نقد قاس للفاشية والنازية، والأنظمة الشمولية، في تبنيها للأساليب القمعية، والرضوخ في النهاية للمستعمر والمحرر، على حد سواء، إنها بداية لعصر جديد.

وفي عام 1957 ترجم الشاعر صلاح عبد الصبور الرواية، ونشرها في مجلة صباح الخير، وفي الاحتفال بمرور 20 سنة على رحيل الشاعر، أصدر المجلس الأعلى للثقافة، الترجمة في كتاب، مع مقدمة للناقد السينمائي سمير فريد.

مؤلف الرواية كورزيو مالابارته (1898 – 1957) قبل أن يموت، كتب إلى البابا، يطلب مغفرته على كتابة هذه الرواية الصريحة، التي كتبها على صورة فصول مستقلة، تصور حياة مدينته التعيسة بعد الحرب، لكن هذه الفصول تتكامل في بناء روائي، يترك في الناس إحساساً عميقاً بكراهية الحرب.

مالابارته عرف الحرب معرفة وثيقة، فحين شبت الحرب العالمية الثانية كان يعمل مراسلاً لإحدى الصحف في الجبهة الروسية، فلما استسلمت إيطاليا، عاد إلى وطنه بصحبة قوات الحلفاء، التي دخلت إيطاليا، ومن انطباعات تلك الأيام كتب «الجلد».

يكتب الناقد الفني إبراهيم العريس عن «مالابارته»: ما اجتمع الثلاثة الكبار من القادة السياسيين والعسكريين، في نهاية الثلث الأول من القرن العشرين، ضد شخص واحد، اجتماعهم ضد هذا الكاتب الإيطالي، فقد ندد به تروتسكي، وأحرق هتلر كتبه، أما موسوليني فأمر بملاحقته، والسبب في هذا كله كتابه «تقنية الانقلاب العسكري».

المؤلف اسمه الأصلي «كورت- إيريك سوكيرت» وكان يكتب تحت اسم مستعار «كورزيو مالابارته» وتعني في الإيطالية «الجانب السيئ» واختار هذا الاسم لأن نابليون كان يحمل الاسم الذي يريده: «بونابارته» أي «الجانب الطيب».

لعب الاسم دوراً في شهرة صاحبه، لا يقل أهمية عن الدور الذي لعبته رواياته ومواقفه، المتبدلة من اليمين إلى اليسار، في هذا المعنى كان ابناً من أبناء القرن العشرين، وكان نداً للكتاب الكبار، الذين كانت تقلباتهم السياسية، تأتي على حجم خيباتهم، غير أن تقلبه اتخذ وجهة معاكسة لهم، فمعظم أدباء النصف الأول من القرن العشرين، انقلبوا من اليسار إلى اليمين، لكن سيرة مالابارته كانت معاكسة.

كان في السادسة عشرة من عمره، حين اندلعت الحرب العالمية الأولى، فانضم متطوعاً إلى اليمين المتطرف في إيطاليا، وبعد انقضاء الحرب انضم إلى الفاشيين، معتقداً أنه سيجد لديهم ما يريده، وظل فاشياً طوال سنوات، كان يكتب في صحفهم، ويبرر لهم تصرفاتهم وأفعالهم، في ليبيا والحبشة.

غير أن طبيعته المتقلبة، جعلته يناهض نظام موسوليني، فإذا بالفاشيين يغضبون عليه، ويودعونه الإقامة الجبرية، لكن سرعان ما تمكن من الإفلات، واضعاً نفسه وأدبه في خدمة الأمريكيين، الذين خاب أمله فيهم، فوجد طريقه إلى الشيوعية، وراح يكتب مناصراً الشيوعيين، وبلغ من حماسته، أنه أوصى بكل ما يملكه، بما في ذلك حقوق كتبه وترجماتها، للصين الشعبية.