شراكة متجددة

01:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

أد. إدريس لكريني

شهدت العلاقات الإماراتية – العمانية، تطوراً ونمواً كبيرين، وقد أسهمت في ذلك مجموعة من العوامل التي غذت التقارب بين البلدين على عدة مستويات. فعلاوة على الجوار الجغرافي، والعوامل التاريخية التي تجمع بين الجارين، لا تخفى أيضاً أهمية الروابط الحضارية والاجتماعية والثقافية التي تجمع شعبي البلدين، وتحيل إلى مصير واحد.

كما أنهما عضوان وازنان داخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي عدد من الهيئات والمؤسسات الإقليمية والدولية، وكثيراً ما تأتي مواقفهما متناغمة إلى حد كبير من مجمل القضايا والملفات الإقليمية والدولية. ويبدو أن إصرار قيادتي البلدين على تطوير وتعميق هذه العلاقات، كان له الأثر الملحوظ على تشبيكها في مختلف الميادين والمجالات، ما أسهم في إرساء شراكة استراتيجية واعدة بين الدولتين.

وقد كان للراحلين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والسلطان قابوس، رحمهما الله، بإرادتهما القوية، الأثر الكبير في بلورة أساس متين لهذه العلاقات، ترجمته الكثير من المناسبات واللقاءات التي تم خلالها عقد مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات التي تدعم التعاون والتنسيق، وتبادل التجارب والخبرات في عدد من المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

وفي بدايات التسعينات من القرن الماضي، وما حملته من متغيرات دولية وإقليمية كبرى، ستتعمق هذه العلاقات أكثر، لتأخذ طابعاً من التضامن لمواجهة مختلف التحديات، حيث تم إحداث لجنة عليا مشتركة، كان لها دور كبير في الدفع بعجلة التعاون بين القطرين، وإعطائه بعداً مؤسساتياً ومستداماً، ليطال مجالات عدة كالتجارة والنقل والاستثمار والطاقة والصحة والتعليم.. فيما كان لمذكرات التفاهم التي وقعها البلدان دور أساسي إضافي في تثمين المكتسبات المحققة، والمساهمة في تطوير حجم ونوعية هذه العلاقات المتميزة، التي أضحت معها دولة الإمارات بمثابة أول شريك استراتيجي عربي وثالث شريك عالمي لعمان بعد الولايات المتحدة وبريطانيا.

ويشير الخبراء الاقتصاديون إلى أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين، شهد نمواً في الآونة الأخيرة بنسبة تصل إلى 9 في المئة مقارنة بعام 2020، فيما وصل متوسط نمو المعاملات التجارية إلى ما يناهز 10 في المئة خلال الخمس سنوات الأخيرة. ذلك أن دولة الإمارات أصبحت تستأثر بنحو 40 في المئة من مجموع واردات سلطنة عمان من الخارج، وبما يناهز ال20 في المئة من صادراتها نحو الخارج.

وتأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى سلطنة عمان واجتماعه مع جلالة السلطان هيثم بن طارق، لتعطي بدورها دفعة قوية لهذه العلاقات، ولتبرز إصرار قيادتي البلدين على المضي قدماً على طريق تعميقها أكثر.

كما تأتي هذه الزيارة التي حظيت باهتمام إعلامي واسع، في ظرفية إقليمية ودولية تتطلب التعاون والتنسيق لمواجهة مختلف التحديات التي تفرضها التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم. وهي تحيل أيضاً إلى وعي البلدين بضرورة التعاون في إطار حسن الجوار وتكثيف الجهود لخدمة مصالح البلدين المشتركة، وهو ما سينعكس حتماً بالإيجاب على المحيط الإقليمي والعمل الخليجي المشترك.

تمثل هذه الزيارة التي ستجمع بين قائدين جديدين، محطة لتدارس عدد من القضايا الثنائية التي تهم مصالح البلدين، ذات الطابع الاقتصادي والتجاري والثقافي والتنموي، كما ستسمح أيضاً بتداول عدد من القضايا الإقليمية والدولية المطروحة.

ذلك أن هناك الكثير من الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية التي تفرض نفسها على أجندة النقاش بين الجانبين، كسبيل للمساهمة في إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة وتوحيد الرؤى والمواقف إزاء عدد من الملفات والقضايا الراهنة، كما هو الشأن بالنسبة للعمل الخليجي المشترك، والقضية اليمنية وتطور الملف النووي الإيراني.

ولا شك أن هذه الزيارة، ستسهم بشكل كبير في خلق دينامية أكبر في العلاقات بين البلدين، وتهيئ أجواء استثمار الفرص الاقتصادية والاستثمارية المتوافرة نحو المزيد من المبادرات، في مجالات الطاقة وتحلية المياه، والأعمال.. ونحو بناء شراكة متجددة تنهل من الروابط المتينة التي تجمع بين البلدين، ومن مختلف المقومات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة المتاحة، وتنفتح على المستقبل بفرصه وتحدياته المختلفة.

إن إصرار البلدين الجارين على تطوير علاقاتهما الثنائية، هو مدخل بنّاء يخدم تطوير وتشبيك العلاقات الخليجية والعربية، ويمكن استثماره أيضاً على مستوى تعزيز العمل العربي المشترك، من خلال الاشتغال على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والخدماتية البينية، وبلورة تصور موحد إزاء عدد من القضايا في عالم مملوء بالتحديات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/muzwukda

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"