محافظ مقاومة للتضخم وتأثيرات التقلبات المستقبلية

21:20 مساء
قراءة 4 دقائق

فؤاد نقولا طراد *

إزاء الجهود المتواصلة التي تبذلها البنوك المركزية من أجل كبح معدلات التضخم وزيادة أسعار الفائدة وخفض الحوافز النقدية، برزت آثار هذه التحركات في أداء الأسهم والسندات حيث شهد العديد من المستثمرين انخفاض قيمة محافظهم الاستثمارية. فكيف يستطيع المستثمرون إذاً، الاستمرار في الإبحار عبر الأسواق المتقلبة؟

يساعد الاستثمار في الأصول والقطاعات والمناطق الجغرافية التي يجمع بينها ارتباط عكسي، (أي أنها تتفاعل بشكل مختلف مع الحدث نفسه)، في الحد من المخاطر ومن العائدات السلسة.

وكلما تعددت فئات الأصول المختلفة في المحفظة كلما زاد أداؤها في ظروف السوق المختلفة. وبإلقاء نظرة على البيانات الواردة في تقرير العائدات التاريخية حسب فئة الأصل (1985 - أكتوبر 2020)، يتضح لنا أنه على مدى السنوات العشرين الماضية، لم تنجح أي فئة واحدة من فئات أصول في المحافظة على أفضل أداء كل عام. وتراوحت فئات الأصول ذات الأداء الأفضل سنوياً بين أسهم الشركات الأمريكية الكبيرة والصغيرة، وأسهم الشركات في الأسواق الناشئة، والذهب، وصناديق الاستثمار العقاري، والسندات الدولية.

وتتوفر خيارات التنويع الجذابة أيضاً خارج نطاق الصكوك المالية التقليدية، ولا سيما المنتجات المهيكلة المصممة لتوفير الحماية من المخاطر وتحقيق العوائد والزيادة المتوقعة من رأس المال، والاستثمارات البديلة في الأسهم الخاصة، والبنى التحتية، بل وحتى فئات أخرى من الأصول مثل الفنون الجميلة.

إن التنويع عبر قطاعات مختلفة أمر مهم للغاية. وقد استفادت أسهم شركات التكنولوجيا الكبيرة من التغير الذي طرأ على سلوك المستهلك أثناء فترة الحجر خلال أزمة كورونا، فركزت جهودها على تحقيق التحول في العروض المقدمة إلى العملاء من خلال استحداث التكنولوجيا التفاعلية والمنتجات التي تستهدف العملاء الأفراد والترفيه. ومع تراجع الجائحة، شهدت التكنولوجيا انخفاضاً في مستوى الطلب، ما أدى إلى انخفاض أسعار الأسهم. أما قطاع الضيافة فقد شهد تدهوراً حاداً أثناء الجائحة، ولكنه ما لبث أن تعافى مع تراجع التدابير الاحترازية. وبناء على ذلك، فإن المحافظ الاستثمارية التي ركزت استثماراتها على قطاع الضيافة فقط في عام 2020 أو على التكنولوجيا في عام 2022، قد عانت من دون شك من خسائر أكبر من تلك التي وزعت استثماراتها على قطاعات متنوعة ومتوازنة.

إن التنويع الجغرافي هو بحد ذاته أمر في غاية الأهمية، لا سيما وأن المستثمرين يميلون إلى «التحيز الوطني»، حيث يسارعون إلى الاستثمار بشكل غير متكافئ في بلدهم الأم. ومع ذلك، تُظهر الأدلة أن التنويع العالمي مهم لتحقيق عائدات طويلة الأجل معدلة بحسب للمخاطر.

وعلى الرغم من أهمية التنويع، تبرز في الأسواق حالياً اتجاهات مزمنة من المرجح أن تستمر بصرف النظر عن دورات السوق. ومن بين الأمثلة على ذلك تغير المناخ. حيث تساهم السياسات الحكومية والإجراءات التي يتخذها المستهلكون في التعامل مع تغير المناخ في دفع عجلة انتشار التكنولوجيات الخضراء الجديدة وزيادة التركيز على الاستثمار القائم على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.

وهناك اتجاهات أخرى تشمل التشغيل الآلي والروبوتات، وتغير التركيبة السكانية، والتوسع الحضري والتحولات في القوة الاقتصادية العالمية. وتوفر هذه الاتجاهات بمعظمها فرصاً استثمارية جذابة.

قد تثير التقلبات في سوق الأسهم القلق في أوساط المستثمرين، لا سيما أولئك الذين يواجهون تراجعاً في رأسمالهم المستثمر، ومع ذلك، من الضروري الحفاظ على الانضباط الاستثماري والتحلي برؤية متوازنة وطويلة الأجل.

لقد أظهر أحد البحوث التي أجراها بنك «أوف أمريكا» مؤخراً، أنه في الفترة من 1930 إلى 2020، لو تغاضى المستثمرون عن التركيز على أفضل 10 أسهم خلال فترة عقد، لكانوا تمكنوا من تحقيق عائد إجمالي قدره 28 في المئة. وفي المقابل، إذا اختاروا الاستمرار في الاستثمار في هذه الأسهم، لكانوا حققوا عائداً إجمالياً قدره 17,715 في المئة. ويسعى معظم الناس إلى تحقيق ثروات واستثمارات طويلة الأجل، لذا فمن المهم اتباع نهج استثماري طويل الأجل يتسم بالانضباط والاتزان.

ويجب على المستثمر أن يحرص على تعزيز فعالية محفظته الاستثمارية من حيث التكاليف. ولتحقيق ذلك، لا بد من هيكلة الاستثمار بما يؤدي إلى ضمان الكفاءة الضريبية. كما لا بدّ من التأكد من توازن أتعاب أمناء الاستثمار ومديري الاستثمار والتكاليف التشغيلية. لذا على المستثمر اختيار مدير ثروات يتمتع بخبرة واسعة في تخطيط وإدارة المحافظ الاستثمارية لتمكين المستثمر من الاستفادة من وفورات الحجم وضمان فعالية الأتعاب والرسوم، إضافة إلى إمكانية الوصول إلى الأصول التي لا تتاح عادة إلا للمؤسسات. ويمكن للأشخاص المتخصصين في إدارة الثروات استخدام أحدث التقنيات لوضع خطة مثالية لحماية ثروة المستثمر وتعزيز فعالية التكاليف والرسوم.

وعلى الرغم من التقلبات التي تسود الأسواق حالياً، من المهم ألا يغيب عن أذهاننا أن الأسواق تعود دائماً إلى التعافي. فقد سبق أن سجل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» ما وصل إلى 12 هبوطاً حاداً من أعلى مستوياته خلال فترات الركود التي شهدتها الأسواق خلال الأعوام السابقة، وتمكن من التعافي والعودة إلى أعلى مستوياته في أقل من سنة، في ثمان من هذه المرات. إن العبرة التي نستخرجها من تقلبات الأسواق هي أن نحافظ على التنويع في استثماراتنا مع الحرص على تبنّي نهج منضبط يقودنا إلى مسار الاتزان. وعلى حد قول وارن بافيت، المستثمر الأكثر شهرة في العالم «إن أهم ميزة عند المستثمر هي المزاج».

* الرئيس العالمي لمنطقة الشرق الأوسط لدى «إندوسويس لإدارة الثروات».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/53kdu95j

عن الكاتب

الرئيس العالمي لمنطقة الشرق الأوسط لدى اندوسويس لإدارة الثروات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"