عادي

تفجير «نورد ستريم».. الكل مُتهم

23:11 مساء
قراءة 4 دقائق

إعداد: أحمد البشير

لم تتوصل الحكومات الغربية إلى اكتشاف رسمي لهوية المسؤول عن الهجمات التخريبية التي وقعت الأسبوع الماضي، على خطي أنابيب روسيين تحت مياه بحر البلطيق ينقلان الغاز الطبيعي إلى أوروبا. وبينما تتم مراجعة جميع الأدلة بعناية، يبدو من المعقول توقع رفع السرية عن بعضها قريباً.

في غضون ذلك، يدّعي حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وشخصيات رئيسية مثل رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، معرفتهم بهوية الجاني، إذ قال بيرول مؤخراً إنه «من الواضح من كان وراء هذه المشكلة». وفي الوقت نفسه، يلقي المسؤولون الروس اللوم على الغرب، إذ عقدوا جلسة في مجلس الأمن لمناقشة الأمر.

وهنالك جوانب من هذا اللغز تشبه ما نقرأه في روايات أجاثا كريستي، حيث يبدو أن كل شخص مشارك لديه دافع أو مستفيد من النتيجة. لذلك، من المفيد، حتى كتجربة فكرية، أن ننظر إلى ما نعرفه وما لا نعرفه حول ما حدث.

تخريب متعمد

في ال 26 من سبتمبر/أيلول الماضي، تم الإبلاغ عن انخفاض في مستويات الضغط في كل من خطوط أنابيب «نورد ستريم 1» و«نورد ستريم 2» التي تعمل تحت بحر البلطيق. وسُجلت ثلاثة تسربات منفصلة قبالة سواحل الدنمارك والسويد، وتشير التقارير الواردة من علماء الزلازل هناك إلى حدوث انفجارات كبيرة باستخدام نحو 100 كيلوغرام من مادة «تي إن تي» في كلا الحادثين. ووفقاً للتقديرات الأولية، تسرّب ما يصل إلى 800 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.

وبالنظر إلى التقارير الرسمية ووقوع 3 انفجارات في نفس اليوم، يبدو أن عمليات التخريب هذه متعمدة، كما يشير حجم العملية وكمية المتفجرات المستخدمة إلى تورط دولة ما. وعلى الرغم من التكهنات الأولية بأن الهجوم قد يكون من عمل جهات غير حكومية، يبدو أن ذلك بعيد الاحتمال.

ومع مشاهدة مجموعة من الطائرات من دون طيار تحلّق بالقرب من منصات النفط والغاز في بحر الشمال، فإن المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين وشركات الطاقة بادروا إلى اتهام موسكو.

موسكو تتهم واشنطن

وقد قفز بعض المعلقين بالفعل إلى استنتاجات محددة، فعلى سبيل المثال، صعّدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، لهجتها تجاه اتهام روسيا بعمليات التخريب الأخيرة، قائلة إن الضرر وقع في المياه الدنماركية والسويدية، وهما دولتان «محشوتان» بأسلحة أمريكية و«تحت سيطرة» وكالة المخابرات المركزية.

وتستند موسكو في اتهامها لواشنطن بالوقوف وراء التفجيرات، إلى تسريبات للرئيس الأمريكي جو بايدن، في أوائل فبراير الماضي، قال فيها إن بلاده ستُنهي «نورد ستريم 2 إذا تدخلت موسكو عسكرياً في أوكرانيا».

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن الهجوم بدا «متعمداً» على ما يبدو، مضيفاً: «من الصعب للغاية أن نتخيل أن مثل هذا العمل الإرهابي يمكن أن يحدث دون تدخل دولة ما».

وبثت وسائل الإعلام الروسية آراء محللين يقولون إن الهجوم كان من الممكن أن تنفذه الولايات المتحدة أو بريطانيا فقط.

وأوكرانيا هي الأخرى ليست مستبعدة، خاصةً أنها سارعت لاتهام روسيا بالوقوف وراء التفجير، ومن مصلحتها أن تسوء العلاقة أكثر بين موسكو وحلف الناتو، ما سيعزز الدعم الأوروبي والأمريكي العسكري لجيشها. وكييف لا تريد أن تكون كبش الفداء في عملية استنزاف الجيش الأمريكي لروسيا، بل تريد توريط حلف الناتو بشكل مباشر في حربها ضد روسيا.

الشتاء الأوروبي

ومن الواضح أن التفجيرات تثير قلق الحكومات الغربية، التي هي بالفعل على حافة الهاوية في أعقاب قعقعة السيوف النووية من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ومهما كانت الحقيقة، سيتعين على معظم أوروبا الآن مواجهة شتاء عام 2022، وما بعده على الأرجح، بدون أي خط أنابيب غاز روسي. كما أن الاتحاد الأوروبي مصمم على إنهاء اعتماده على الغاز الروسي في أقرب وقت ممكن، وهي عملية قد تتسارع في ضوء الأحداث الجارية.

وسيكون فصلا الشتاء المقبلان تحدياً كبيراً لجميع مستهلكي الغاز في أوروبا، من المنازل والشركات إلى القطاعات الصناعية. لكن هناك خطوات قيد التنفيذ ستغير بشكل أساسي مكانة القارة في أسواق الغاز العالمية.

وفي الماضي، لعبت أوروبا دوراً متوازناً، حيث كانت مركزاً لواردات شحنات الغاز الطبيعي المسال (عادةً في أشهر الصيف)، عندما يكون الطلب منخفضاً في آسيا. وعلى هذا النحو، كان الغاز الطبيعي المسال المستورد هامشياً في أمن الغاز الأوروبي، نظراً لاعتمادها الكبير على خطوط الغاز الروسية.

وفي حال لم تعد أوروبا تستورد الغاز الروسي بحلول عام 2027، فسيتعين عليها التنافس مع آسيا كمركز للطلب. ولكن ليس من الواضح كم من الوقت قد يستغرق الأمر لزيادة العرض من أجل تلبية الطلب الأوروبي الجديد.

وساهمت روسيا بحوالي 40% من إجمالي الغاز المستهلك في الاتحاد الأوروبي في عام 2021. وتعتمد ألمانيا بشكل خاص على هذا الإمداد الرخيص من الغاز. ويولّد الغاز حوالي 15% فقط من الكهرباء في البلاد، لكن الكثيرين يعتمدون عليه في التدفئة وهو حيوي للصناعات الثقيلة مثل البتروكيماويات التي تستهلك الكثير من الطاقة.

ومن الضروري الآن اتخاذ تدابير صارمة لتأمين الإمدادات البديلة وتقليل الطلب على الغاز والاستعداد لاحتمال حدوث نقص هذا الشتاء.

ويهدف برنامج توفير الغاز من أجل شتاء آمن، والتابع للاتحاد الأوروبي إلى تقليل الطلب الإجمالي على الغاز بنسبة 15% في جميع أنحاء دول الاتحاد هذا الشتاء، من خلال مطالبة الناس بخفض استهلاك الطاقة في المنازل والمكاتب على سبيل المثال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8r4dr9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"